تريد بعض الدول الأوروبية أن تنأى عن لغة العقل، وأن تتبع على خلاف الفطرة لغة اللامنطق. الحديث هنا عن المملكة العربية السعودية، وما أعلنته من تفاصيل في قضية مقتل جمال خاشقجي، وإصرارها على كشف الحقائق كاملة، ومحاسبة الفاعلين. إلا أن بعض الدول الأوروبية أطلقت تصريحات عبَّرت فيها عن عدم قناعتها بالتفاصيل المُفصح عنها من قبل الادعاء العام السعودي، رغم أن هذه التفاصيل، بكل تجرد، هي الأقرب إلى العقل والمنطق والواقع. الأوروبيون وبعض لوبيات الضغط الأمريكية يريدون من السعودية أن تقول لهم إنها قد استدرجت جمال خاشقجي إلى القنصلية السعودية حتى تقوم بقتله، وأنها قد أصدرت أوامر بذلك. هذا هو ما يريد الغرب تصديقه، رغم أنه غير منطقي على الإطلاق. ولنا هنا أن نتمعن في المسائل الآتية:
أولاً: هل يعقل أن دولة بحجم ومكانة وتاريخ المملكة العربية السعودية سوف تقوم بإرسال فرقة أمنية من الرياض إلى إسطنبول من أجل قتل جمال خاشقجي داخل مبنى قنصليتها؟
ثانيا: إننا حتى لو افترضنا أن هناك نية بقتل جمال خاشقجي، فإن موقع التنفيذ سوف لن يكون بكل تأكيد موقعًا دبلوماسيا مهما مثل القنصلية أو السفارة، وهو ما يدحض أساسًا الفرضية الأولى بوجود نية بقتل خاشقجي.
ثالثًا: إن القول بعلم القيادة السعودية بمقتل جمال خاشقجي عند حدوث واقعة مقتله داخل القنصلية وأنه قد تم إخفاء ذلك عن الرأي العام هو أيضًا أمر غير واقعي، والدليل على ذلك هو أن المملكة العربية السعودية قد أعلنت أنها ستسمح بتفتيش قنصليتها، وتأكيدها أن خاشقجي قد غادر القنصلية، وهو ما يدلل على أن التقارير الأولية التي تم إرسالها إلى القيادة السعودية لم تكن صحيحة ودقيقة، وأن ثمة تضارب فيما حدث فعليا داخل القنصلية وما تم نقله إلى القيادة السعودية.
رابعًا: إن معطيات أحداث وفاة خاشقجي تدل على أن خطأ ما قد نجم عن سوء سلوك من قبل أحد أو بعض من قابلوه داخل مبنى القنصلية، وحتى ما أعقب وفاة خاشقجي، وأنه لم يكن هناك أمر بقتله من قبل القيادة السعودية، تمامًا كما أعلن ذلك وزير الداخلية السعودي.
ولذلك كله، فإنه ليس من المنطق إطلاقًا مطالبة المملكة العربية السعودية من قبل الغرب بأكثر من بيان الحقائق، وليس تغيير الحقائق لتأتي على مزاج ما يريده بعض الساسة وبعض لوبيات الضغط. إن مسألة وفاة خاشقجي تبقى مسألة تخص الشأن السعودي وإن حاول البعض تدويلها، والسعودية بكل صدق أشركت العالم في معرفة حقائق ما حدث، وأعلنت أنها سوف تستمر على هذا النهج في التعاطي مع قضية خاشقجي، فما الذي يُراد من السعودية أكثر من ذلك؟