لم يعد يكفي استخدام الأسلحة التقليدية فائقة التدمير في الحروب الجديدة، فالذي أظهرته الأيام الماضية لاختفاء المواطن السعودي جمال خاشقجي، من اشتباكات بين دوائر إعلامية وسياسية تؤكد أن السلاح الإعلامي في حروب العصر أهم وأخطر من الناحية التكتيكية التي يمكن استخدامها في تدمير «الصورة الذهنية» للدول بغض النظر عن تأثيرات المسافة الجغرافية التي تعتبر عائقاً في الحروب التقليدية.
فالضجة العالمية التي أثارتها القضية وشغلت الرأي العام العالمي حتى وصلت تأثيراتها في دوائر صنع القرار تفتح ملف إعادة التفكير في مسألة ترتيب أولوية أدوات الاشتباك بين الدول بما يسمح بمحافظة الدول على امتلاكها قوة الدفاع عن نفسها من تطفل «الأعداء الجدد» حيث تعد الطريقة التي تدار بها الحروب الإعلامية تطوراً خطيراً بمقاييس «الحرب الناعمة» التي لا تستخدم فيها الأسلحة التقليدية، لا سيما وأن طبيعة هذه الحرب كما بانت في مثل هذه الحروب أنه يخصص لها أحياناً أبناء الدولة الخارجين عن القانون ما يعني أن السيطرة عليها ليست بتلك السهولة.
استغلال الإعلام المعادي للسياسة السعودية سواء كان هذا الإعلام إقليمياً أو عالمياً يؤكد أنه يمكن أن يكون سلاحاً مدمراً للصورة الذهنية إذا لم يكن للدولة رصيد من شبكة العلاقات العامة مع الدوائر الإعلامية في العالم. وتؤكد طريقة تناول القضية أنه سلاح يمكن توظيفه لقلب موازين القوى، الأمر بالنسبة للمراقبين أن وسائل الإعلام اليوم هي أحد أدوات الاشتباك الجديد بين الدول أكثر من أنها تسلط الضوء على تفاصيل خبر أو قضية إنسانية وأمنية فقط، كون أن القضية وضعت تركيا المعروفة بقوة أجهزتها الأمنية في موقف حرج.
على الدول أن تلجأ إلى تطوير أساليب حمايتها ليس عسكرياً فقط باعتباره أمراً مفروغاً منه، ولكن بالتركيز على التطورات في طريقة إدارة الأزمات إعلامياً خاصة في الحالات التي تفتقد فيها المعلومات لأن – المعلومة – لن تكون دائما موجودة، كما لم يعد مناسبا الانتظار أيام لحين ظهور الحقيقة الكاملة لأن الحرب أو الاشتباك يكون قد انتهى وتشوهت الصورة بما يعني أن سمعة الدولة تكون قد تضررت، وبالتالي حقق الأعداء هدفهم.
بما أن الأمر فيه «حرب» فإنه لا ينبغي أن يكون إعلاماً في هذه الحالة دفاعياً، وإنما ينبغي أن يتميز بطابع هجومي وألا يتقيد بالتزامات الحيادية والموضوعية التي لم تعد مكان اهتمام في هذا العصر وإنما الرصانة والمنطق في التحليل هو الأهم.
كان ينظر إلى الإعلام حتى وقت قريب، وربما ما زال في بعض الدول، باعتبارها وسيلة للتوعية الوطنية وإبراز جهود الدولة في التنمية، وأنها ليست تلك الوسيلة المناسبة لأن تشن هجوما على الدول الأخرى والتأثير في قراراتها، وإذا كانت مثل هذه الأفكار ما زالت مقبولة لدى الدول التي ليس لديها طموحات أبعد من حدودها الجغرافية، فإنه لا بد من الإيمان بأن الآخرين لن يبقوا كذلك، فهم يطورون إعلامهم لاستخدامها في أجنداتهم السياسية التي لا تعرف حدوداً وطنية.
إذا ربطنا ما يحدث إعلامياً في قضية اختفاء خاشقجي، وحالة التعامل الدولي حولها سواء بين الدولتين اللتين لهما علاقة مباشرة بالقضية وهما: تركيا والسعودية، أو حتى حالة الاهتمام العالمي من قبل دوائر صنع القرار، وكذلك المنظمات الإنسانية فنحن أمام حالة من «إدارة صراع إعلامي» تؤكد أنه سيأتي يوم ونجد فيه أن الإعلام سلاح قتالي جديد.
يحتاج الأمر إلى إعادة النظر لأن الأمر مرتبط بمصير الدول والسبيل الوحيد للمحافظة عليها الاستعداد لمثل هذه الحرب من خلال إيجاد وسيلة لمخاطبة الرأي العام العالمي، وخاصة الناطق باللغة الإنجليزية على الأقل لأن الإعلام المضاد حتى اللحظة نجاحه مرتبط في قدرته على إثارة الغرب، وانفراده بتلك المساحة الجغرافية والسكانية وإعطائه لنفسه الحق بأن يكون ممثلاً للرأي العام العربي هناك دون أن يكون هناك إعلام منافس له يوضح الحقائق على الأقل.
يذكرنا الإعلام القطري الناطق باللغة الإنجليزية بزمن التنظيمات الإرهابية المتشددة في الغرب التي كانت تنفرد بخطابها باعتبارها ممثلة للدين الإسلامي فسببت دماراً للدول الإسلامية والمسلمين حتى قامت الدول العربية بجهود لتصحيح فهم الغرب عن هذا الدين فهل التاريخ يعيد نفسه مع قطر إعلامياً؟!