نون والقلم

احمد الملا يكتب: المحقق الصرخي وبيان استراتيجية صلح الإمام الحسن

الحسن بن علي بن أبي طالب -عليهما السلام- هو ثاني إمام بعد الإمام علي -عليه السلام- وهو الإبن الأكبر له، وهو الخليفة الخامس للمسلمين، ومن أشهر ألقابه «المجتبى» وُلد في المدينة المنورة ليلة النصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة، عهد الإمام علي -عليه السلام- قبل استشهاده بالخلافة وبايعه الناس على ذلك، وكانت مدة خلافته ستة شهور فقط وذلك بسبب ما تعرض له من خيانة من الأصحاب والمقربين، بالإضافة إلى عدم فهم وإدراك الناس لتفكيره وأهدافه، بحيث كان -عليه السلام- في واد والناس في وادٍ أخر، والسبب الأخر وهو الرئيسي في قصر مدة خلافته -عليه السلام- هو تحرك معاوية بن أبي سفيان السريع نحو العراق لكي يضمه إلى ملكه وسعيه للإطاحة بحكومة الإمام الحسن -عليه السلام- حيث توجه بجيش قوامه 60 ستون ألفًا إلى العراق .

لقد تناول الكثير من المؤرخين والباحثين وأصحاب السيير حياة الإمام الحسن -عليه السلام- وتحدثوا عن الصلح الذي وقع بينه وبين معاوية، لكن أغلبهم لم يعطِ صورة تامة واضحة وجلية الأسباب التي اضطرت الإمام -عليه السلام- إلى القبول بالصلح، منهم مَن قال إن قبول الصلح هو بسبب رغبة الإمام بعدم المواجهة العسكرية مع معاوية، ومنهم مَن لم يعطي الجوانب أو الدوافع والأسباب الحقيقية، ومنهم من غفل عن أغلبها، ومنهم من أعطى التفسير الحقيقي والواقعي والمنطقي ووضح الإستراتيجية الحقيقة لدواعي صلح الإمام الحسن -عليه السلام- وأبرزهم هو سماحة المرجع المحقق الصرخي الحسني حيث تناول هذه المسألة ببحث عقائدي يحمل عنوان (صلح الإمام الحسن -عليه السلام-) كشف فيه الدوافع والأسباب الجوهرية التي اضطرَّت الإمام الحسن -عليه السلام- أن يوقع معاهدة الصلح والتي حصرها في :

1-انحلال الجيش وانشقاقه حيث كان جيش الإمام فئات متعددة:

أ- فئة بني أمية: وهم أبناء الأسر البارزة الذين لا يهمهم غير الزعامة الدنيوية منهم عبيد الله بن العباس حيث نصبه الإمام قائدًا للجيش الإسلامي فاتصل به معاوية وأخبره إن الحسن راسله وإنه سيسلم له الأمر ومّناه بـ (ألف ألف) من الدراهم فالتحق بجيش معاوية ومعه ثمانية آلاف من الجند، فأصبح الجيش بلا إمام جماعة وبلا قائد. ومنهم زياد بن أبيه حيث حدثت بينه وبين معاوية مراسلات انتهت بإدعاء معاوية أن زيادًا أخوه ابن أبي سفيان علمًا إن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: {الولد للفراش وللعاهر الحجر، ولذلك أعلن زياد ولاءه لمعاوية وكان زياد واليًا على قطع من فارس من قبل الإمام علي -عليه السلام-

ب- فئة الخوارج (الحرورية): يقول المغيرة بن شعبة عنهم إنهم لم يقيموا ببلد إلا افسدوا كل من خالطهم وقد استولوا على عقول السذج والبسطاء من الجيش بشعارهم الذي هتفوا به (لا حكم إلا لله) وهؤلاء يكّفرون كل من لم ينتم إِليهم فيستحيون نساء المسلمين وأموالهم ونفوسهم ولم يتورعوا عن القتل حتى ولو كان المقتول علي بن أبي طالب -عليه السلام- أو كان المقتول الحسن بن علي -عليه السلام- وقد فشلت محاولاتهم .

ت- فئة المشككين: وهم الهمج الرعاع الذين ينعقون ويتبعون رؤساءهم حيث خان منهم ثمانية آلف والتحقوا بجيش معاوية كما خان رئيس ربيعة فبايع معاوية وبايعته عشيرته.

2- السأم من الحرب وعدم حصولهم على الغنائم في تلك الحروب وهذا متتالية، يفقد ولاء أهل الدنيا حيث يميلون على الأموال والمنافع الدنيوية .

٣- عامل الرشوة الذي اتبعه معاوية ووجد تقبلًا في معسكر الحسن -عليه السلام- حيث اشترى الذمم والضمائر والولاءات .

٤- عامل المناصب والوظائف المهمة والمواعدة للتزويج من بنات معاوية فوجدت هذه العوامل تقبلًا عند الكوفيين .

٥- الكتب والإتفاقيات التي أرسل معاوية منها للإمام الحسن -عليه السلام- وكانت متضمنة لأسماء شخصيات بارزة ورؤساء عشائر مضمونها أنهم يواعدون معاوية متى ما طلب منهم ذلك، وكان مضمون هذه الكتب:

1- مبايعة معاوية. ٢- خلع الحسن -عليه السلام- سرًا أو جهرًا. ٣ – تسليم الحسن -عليه السلام- لمعاوية. ٤- إغتياله وقتله متى ما طلب منهم معاوية ذلك .

٦- نهب أمتعة الإمام -سلام الله عليه- وكان ذلك في عدة مناسبات :

أ- حينما دس معاوية عيونه بين جيش الإمام ليذيعوا أن الزعيم قيس بن سعد بن عبادة قد قُتل فإنهم حينما سمعوا ذلك نهب بعضهم بعضًا حتى انتهبوا سرادق الإمام الحسن -عليه السلام- حتى إنهم نزعوا بساطًا كان للإمام جالسًا عليه واستلبوا منه رداءه .

ب- لما أرسل معاوية المغيرة بن شعبة وعبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن الحكم إلى الإمام ليفاوضوه في أمر الصلح فلما خرجوا من عنده أخذوا يبثون بين صفوف الجيش لإيقاع الفتنة فيه قائلين (إن الله حقن الدماء بإبن بنت رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وقد أجابنا على الصلح ولما سمعوا مقالتهم اضطربوا اضطرابًا شديدًا ووثبوا على الإمام -عليه السلام- فأنتهبوا مضاربه وأمتعته.

٧- تعرض الإمام -عليه السلام- إلى ثلاث محاولات اغتيال :

١- كان يصلي فرماه شخص بسهم فلم يؤثر شيئًا لأنه كان مرتديًا درعًا ولأول مرة يرتديه .

٢- خطب فيهم بعد أن قالوا كفر الرجل وشدوا على فسطاطه فانتهبوه حتى أخذوا مصلاه من تحته وشد عليه الأثيم عبد الرحمن بن عبد الله بن جعال الأزدي فنزع مطرفه من عاتقه فبقي الإمام جالسًا متقلدًا سيفه بغير رداء ودعا -عليه السلام- بفرسه فركبه وأحدقت به طوائف من خاصته وشيعته محافظين عليه وطلب الإمام -عليه السلام- إن تدعى له ربيعة وهمدان فدعيتا له فطافوا به ودفعوا الناس عنه وسار موكبه ولكن به خليط من غير شيعته فلما انتهى -عليه السلام- الى مظلم ساباط بَدَر إليه رجل من أسد يقال له الجراح بن سنان فأخذ بلجام بغلته وبيده معول (سيف) فقال: (الله اكبر يا حسن أشركت كما أشرك أبوك من قبل) ثم طعن الإمام في فخذه .

٣- طُعن الإمام بخنجر في إثناء الصلاة .

٨- فقدان القوى الواعية التي تثقف الناس وتخرجهم من الضلالات والظلمات وتحصنهم من الشبهات وكيد المنافقين والملحدين والمارقين. وفي مقابل ذلك نذكر الأسباب الخاصة بمعسكر معاوية :-

1- كان جيش معاوية قويًا ذا ضخامة وقوة عسكرية .

2- لم يشترك جيش معاوية بحروب إلا حرب صفين أما جانب الروم فقد عقد اتفاق صلح مع الروم .

3- كان يبيح لجيشه كل شيء من سلب ونهب وكان يكثر لهم العطايا .

٤- كانت تحيط به حاشية من أهل الدنيا كان يغريهم ويغدق عليهم العطاء فكانوا يخلصون له ويشيرون عليه وينصحون بما يثبت كيانه .

٥- همجية وجهل جيشه حيث كان أحدهم لا يعلم أي طرفيه أطول ولا يفرق بين الجمل والناقة.

٦- استعانة معاوية بالخبرات الرومية بإدارة الأعمال الجاسوسية وإدارة الوسائل الإعلامية والدعائية له .

٧- اتفاق كلمتهم بالرغم من اتفاقهم على باطل كما مثل لذلك أمير المؤمنين وقال لأهل الكوفة: ((ما لكم تفترقوا على الحق ويتحد أهل الشام على الباطل)). كل هذه الظروف اضطرت الإمام الحسن -عليه السلام- على الصلح حيث حفظ به بيضة الإسلام وما تبقى من الثلة المؤمنة من بقايا العترة الطاهرة والصحابة البررة وكذلك كشف الزيف الإعلامي الذي كان يستتر به الحاكم الأموي.

وقد تفرَّد المرجع المحقق الصرخي في إعطاء الأسباب الحقيقية والجوهرية التي اضطرت الإمام الحسن -عليه السلام- للصلح، وكشف مدى المظلومية التي تعرض لها -سلام الله عليه- من أقرب الناس إليه في جيشه وقادته، فقد كان هذا البحث العقائدي ملمًا بأحداث صلح الإمام الحسن -عليه السلام- إلمامًا تامًا ودقيقًا وشاملًا وبصورة تجعل المطلع على هذا البحث يحس ويشعر ويعيش المظلومية الكبرى التي تعرض لها إمامنا الحسن بن علي -عليهما وعلى رسولنا الكريم أفضل الصلاة والسلام-.

رابط تحميل كتاب «صلح الامام الحسن» لمن يحب أن يطلع على هذا البحث التأريخي العقائدي الرائع..

http://www.al-hasany.net/history-sulhhasan/

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى