التستر بالدين ظاهرة قديمة الوجود خطيرة في الأبعاد، حيث أن بعض ضعاف النفوس عديموا الإيمان وأصحاب الأهواء يجعلون الدين ستاراً لهم من أجل الوصول إلى بعض أهدافهم، ويستعملونه أداة لتحقيق بعض مقاصدهم، وهم في الحقيقة من أبعد الناس عنه، ولكنهم لم يجدوا وسيلة غيره يكسبون من خلالها ثقة من حولهم، ويجعلونهم الوسيلة لتحقيق مرامهم وأهدافهم وغاياتهم فالمتسترين بالدين إذا أراد أحدهم أخذ الأموال، وقضاء حاجاته، والوصول إلى السلطان والجاه تظاهر بصورة الوفي الأمين و التقي الورع، الذي يخشى الله والمحامي والمدافع عن دينه، فإذا تحقق هدفه أصبح الوفي مماطلا ومسوفا، والأمين خائنا غادرا، و التقي بالكفر متجاهرا والورع سليطا ذميماً…
فما أكثر من تستر بالدين وخصوصاً الحكام والسلاطين فمنذ القدم وهم يرتدون هذا الزي كذباً ونفاقاً ودجلاً لأن هذا الزي يحفظ لهم مكانتهم وسلطانهم هذا من جهة ومن جهة أخرى يجعل الناس العوبة في أيديهم يحركونهم متى ما يريدون وكيف ما يريدون ويجعلونهم حطباً لصراعاتهم، فالتاريخ مليئ بهكذا شخصيات تسترت بالدين وجعلته وسيلة لخداع الجهال والسذج بسطاء الفكر، ومن أمثلة ذلك الصراعات التي حصلت بين أبناء ملوك وسلاطين الدولة الأيوبية من أجل الحكم، فقد جعلوا عنوان الدين والدفاع عنه عنوانًا لحروبهم فيما بينهم حتى يستطيعون أن يجيشوا من غرر بهم كي يدافع عنهم وينفذ مخططاتهم، وهذا ما بينه المرجع المحقق الصرخي في المحاضرة الثالثة والثلاثين من بحث « وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري » والتي علق فيها على موارد تاريخية في كتاب الكامل في التاريخ لإبن الأثير …
حيث قال المحقق الصرخي في إحدى الموارد والتي هي محل شاهدنا {{ … ثانيًا: [ذِكْرُ مُلْكِ عِمَادِ الدِّينِ زَنْكِي قِلَاعَ الْهَكَّارِيَّةِ وَالزَّوْزَانِ]: قالَ(ابنُ الأثيرِ) 1ـ قَدْ ذَكَرْنَا عِنْدَ وَفَاةِ نُورِ الدِّينِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسِتِّمِائَةٍ(607هـ) أَنَّهُ أَعْطَى وَلَدَهُ الْأَصْغَرَ زَنْكِي(عماد الدين)، قَلْعَتَيِ الْعَقْرَ وَشُوشَ، وَهَمَّا بِالْقُرْبِ مِنَ الْمَوْصِلِ، وَهُنا يُعَلِّقُ المُحَقِّقُ الصَرخيُّ قائِلًا:( لاحِظ أَبْناءُ صلاح الدِّين يَتَقاتَلونَ، وَالنّاسُ الجُّهالُ وَقُودٌ لِلْقِتالِ، وَكُلٌّ مِنْهُم يُقاتِلُ تَحْتَ عُنْوانِ الدِّينْ، وَكُلٌ مِنْهُم يُوجَدُ مَعَهُ مِنْ أَئِمَّةِ الضّلالَةِ مَنْ يُشَرِّعُ وَيُشَرْعِنُ لَهُ القِتالَ وَالتَّقْتِيلِ وَالخَرابِ وَالتَّخْريبُ وَالدِّماءِ لِلإِسْلامِ وَالمُسْلِمينَ، وَأبْناءُ المَلِكِ العادِلِ يَتَصارَعُونَ وَيَتَقاتَلُونَ، وَنَفْسِ الدِّماءِ وَالخَرابِ وَالدَّمارِ وَالقَتْلِ وَإنْتِهاكِ الأَعْراضِ، وَأَبْناءِ الزِّنْكِيِّ أَيضًا يَتَقاتَلونَ وَنَفْسِ الصِّراعِ وَالتَنازُعِ وَالتَناطُحِ وَالتَنافُسِ عَلى المالِ وَالسُّلْطَةِ وَالجّاهِ وَالمُغْرياتِ وَالفَسادِ) }}… إنْتَهى المُقْتَبَسُ…
فلاحظ كيف إن هؤلاء السلاطين جعلوا من الناس البسطاء المغرر بهم حطباً ووقوداً لصراعاتهم الشخصية من أجل المال والسلطان والحكم وليس من أجل الدين الذي تستروا به، وهذا الأمر غير محصور بهؤلاء السلاطين بل هناك من سبقهم بآلاف السنين ومن سار على نهجهم من بعدهم وحتى يومنا فأغلب حكام العالم الإسلامي وغير الإسلامي إن لم يكونوا أجمعهم جعلوا من الدين والدفاع عن الدين غرضاً لمراميهم ووسيلة لخداع الناس والتغرير بهم، حيث إن التستر بالدين هو خير وسيلة لتجييش الناس وتسييرهم وفق ما يشتهي الحاكم والسلطان خصوصاً إذا وجد شخصية كهنوتية تسناده وتقف معه.