يسقط الشهداء، من الرجال والنساء والكهول والأطفال وتصعد أرواحهم كشموع مضيئة تنير الطريق للعمى السياسي، في مواجهة العدو الاسرائيلي سواء في غزة المحاصرة، أو في الضفة المحتلة، على يد جيش الاحتلال أو أجهزته الأمنية أو مستوطنيه ومع ذلك يتواصل التناحر الفتحاوي الحمساوي على السلطة، سلطة رام الله تشكك بسلطة غزة، وكلاهما يطعن بشرعية الآخر، مع أن شرعيتهما الرسمية فقدت ولايتها بعد استنفاد الفترة القانونية لكليهما، مع نهاية سنة 2010، مع التأكيد أن شرعية كل طرف منهما مستمدة من شرعية الآخر، مثل وجهي العملة، سلطة فتح مستمدة من شرعية انتخاب الرئيس،وسلطة حماس مستمدة من شرعية انتخاب المجلس التشريعي، وشرعية انتخاب الرئيس مرتبطة بشرعية انتخاب المجلس التشريعي، لا أحد يملك شرعية تفوق شرعية الأخر، فلماذا التشكيك والبهدلة، طالما أن الشرعية مستمدة ونابعة من صناديق الاقتراع، وخيار الانتخابات ملغاة متوقفة ولا تتجدد دورياً مثل كل الأنظمة التي تحترم شعوبها وتستمد شرعيتها من افرازات صناديقها الانتخابية.
فتح وحماس انتهت ولاية مؤسساتهما، مؤسسة الرئاسة ومؤسسة التشريعي، ويستمدان بقائهما من التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب لحركة فتح، والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب لحركة حماس، ولا أحد يملك حق المزايدة على الآخر، فالأولوية للطرفين هي شكل ومضمون العلاقة مع العدو الاسرائيلي.
على الصعيد الكفاحي، فتح تقود معركة الخان الأحمر ضد الاحتلال، وحماس تقود معركة مسيرات العودة ضد الاحتلال، وخطواتهما محسوبة، لا تتجاوز الخطوط الحمر، لا في الضفة ولا في القطاع، لا من حماس ولا من فتح، بينما عمليات المقاومة ينفذها شباب مستقلون يواصلون الرفض والمقاومة ضد الاحتلال، بدون حسابات شخصية ذاتية ضيقة، ويدفعون أثماناً باهظة من حياتهم ومن عائلاتهم، بلا تغطيات سياسية من أحد، بل دوافع وطنية عنوانها رفض القهر والمذلة والانحياز لحق الحياة الكريمة والحرية وقوة الاختيار.
قطر تقدم الدعم النفطي والمالي لقطاع غزة بالتنسيق المسبق مع العدو الاسرائيلي، وبتخطيط جرينبلات مبعوث الرئيس الأميركي، وبرضى مصر وقبولها، وباشراف مبعوث الأمم المتحدة نيقولاي ميلادينوف، فتهاجم اللجنة التنفيذية الدول والجهات التي سهلت تمرير النفط واعتبرت ذلك مساساً بشرعية التمثيل الفلسطيني، ولم تجرؤ على تسمية الدول والجهات الممولة والمسهلة والمنفذة، واحتجاجها اقتصر على الطرف الضعيف ميلادينوف الذي لم يجد طرفاً يحميه سوى السكرتير العام للأمم المتحدة، بينما الأطراف الأخرى بقيت مجهولة الهوية في بيان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
شهداء غزة يستحقون التضامن والتوقف كما شعبهم المعذب المقهور، مثلما يستحق الاحتلال ومجرميه وقادته الادانة الأخلاقية، والمحاكمة القانونية، والمطاردة السياسية لأفعالهم الجرمية في مواصلة قتل المدنيين، والتي تخرج عن قانون حقوق الانسان.
عائلات غزة وأهلها يواجهون الموت والجوع والعذاب والقهر، وقيادات الشعب الفلسطيني يغرقون بالخلافات والصراع على السلطة في ظل وجود الاحتلال والعدو الواحد الذي يبطش بكل مكونات وتفاصيل وتنوعات الشعب الفلسطيني، فالى متى هذا الانحدار في التصرف بعدم مسؤولية وغياب الحد الأدنى من ادراك المخاطر والتحديات التي تواجه الطرفين : فتح وحماس ؟؟.
كاتب سياسي مختص بالشؤون الفلسطينية والإسرائيلية.