«عندما اكتمل عدد ركاب القطار المتجه من فرنسا إلى بريطانيا، كانت امرأة فرنسية تجلس بجانب رجل إنجليزي، بدا التوتر ظاهراً على وجه المرأة فسألها الإنجليزي لم أنت قلقة؟ قالت: أحمل معي دولارات فوق المصرح به وهي عشرة آلاف دولار.
قال الإنجليزي: اقسميها بيننا فإذا قبضت عليك الشرطة الفرنسية، أو قبضت عليّ نجوت بالنصف؛ واكتبي لي عنوانك لأعيدها لك عند وصولنا إلى لندن، فاقتنعت الفرنسية وأعطته عنوانها!
لكن عند التفتيش كانت الفرنسية تقف أمام الإنجليزي، ومرت دون أية مشكلات. وهنا صاح الإنجليزي: يا حضرة الضابط، هذه المرأة تحمل عشرة آلاف دولار نصفها عندي والنصف الآخر معها؛ وأنا لا أخون وطني، فقد تعاونت معها لأثبت لكم حبي لبريطانيا العظمى!
وفعلاً أعادوا تفتيشها مرة أخرى، ووجدوا المبلغ وصادروه، تحدث الضابط عن الوطنية وعن ضرر التهريب على الاقتصاد الوطني، وشكروا الإنجليزي، ثم عبر القطار لبريطانيا..
بعد يومين، فوجئت المرأة الفرنسية بالرجل الإنجليزي نفسه عند باب بيتها، فقالت له بغضب: يا لوقاحتك وجرأتك ما الذي تريده الآن؟ ناولها ظرفاً به 15.000 دولار، وقال ببرود: هذه أموالك مع المكافأة فاستغربت من أمره!
فقال: لا تعجبي يا سيدتي، فقد أردت إلهاءهم عن حقيبتي التي كان بها ثلاثة ملايين دولار؛ وكنت مضطراً لهذه الحيلة».
حكاية تثبت أن هذا الرجل سياسي من طراز رفيع. فقد كذب مرتين. مرة كذب على المرأة والأخرى على المفتشين. وبذلك حقق هدفه بتهريب الثلاثة ملايين دولار. أليست السياسة فن الكذب؟!
أحياناً، ونقول أحياناً، قد يكون الذي يدعي الشرف، هو اللص الحقيقي. إنها لعنة السياسة منذ القدم. وهي من قال عنها أرسطو: إذا طرحت سؤالاً على سياسي فإنه يجيبك بطريقة تجعلك عاجزاً عن فهم سؤالك.
أما ديغول فقال: «بما أن رجل السياسة لا يصدق أبداً ما يقوله ويفاجأ إذا ما صدقه أحد. فالساسة لا سياسة لهم». ونابليون قال: «في السياسة لا تشكل الأمور غير المنطقية عقبة». وكان تشرشل يرى أنه «في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم هناك مصالح دائمة».
يحكى أن رجلاً روسي الجنسية يهودي الديانة حصل على تصريح المغادرة إلى «إسرائيل». أثناء خروجه من روسيا وأثناء تفتيش حقائبه في منطقة الجمارك بالمطار، عثر مفتش الجمارك على تمثال صغير بين الثياب، فسأله المفتش: ما هذا؟ أجاب الرجل الروسي في ثقة: صيغة سؤالك خطأ أيها الرفيق، فالسؤال الصحيح هو أن تسأل من هذا؟ هذا تمثال لينين، الذي أرسى دعائم الشيوعية وجلب الخير والأمان والرخاء إلى الشعب الروسي بالكامل، أومأ الرفيق برأسه فأكمل الروسي حديثه قائلاً: وأنا أحب أن اصطحب هذا التمثال معي في كل مكان أذهب إليه تخليداً لهذه الذكرى المباركة، انتهى الروسي من كلامه فظهر التأثر على وجه المفتش الروسي وقال له في إعجاب: حسناً يا سيدي، تفضل بالمرور.
صعد المواطن الروسي إلى طائرته وفي داخله يضحك بسخرية من المفتش الروسي الذي تمكن من خداعه، وعندما وصل إلى مطار إسرائيل رأى موظف التفتيش في تل أبيب التمثال فسأله من جديد: ما هذا؟ فأجاب الروسي مرة أخرى: سؤالك خطأ يا سيدي، فالسؤال الصحيح هو من هذا، هذا تمثال لينين، المجرم المجنون الذي تركت روسيا بسببه، واصطحب هذا التمثال معي في كل مكان أذهب إليه لأنظر إلى وجهه في صباح كل يوم وأكيل له اللعنات في كل وقت فتأثر المفتش الإسرائيلي من كلام الروسي وقال: حسناً يا سيدي تفضل بالمرور.
وهكذا تمكن اليهودي من عبور التفتيش في المطار، خرج من المطار واستقل سيارة أجرة وانطلق على الفور إلى منزل أحد أقاربه المقيمين في تل أبيب، أخرج أمتعته وقام بوضع التمثال في إحدى زوايا غرفته، بعد قليل دخل أحد أولاد أخيه إلى الغرفة فوجد تمثال لينين موضوعاً، فسأله في فضول واضح: من هذا يا عمي؟ ابتسم اليهودي في سخرية وهو يجيب من جديد: سؤالك خطأ يا صغيري، والصحيح هو أن تسألني: ما هذا؟ هذا عشرة كيلوغرامات من الذهب الخالص عيار 24، وقد تمكنت من العبور بها من دون دفع أي جمارك أو ضرائب.
الحكمة السياسية هي القدرة على شرح الشيء نفسه للناس بأساليب متعددة حسب وضعه، ولكن بشرط أن يكون مقنعاً في كل رواية لتحقيق ما تريد وجعله في صالحك.
كاتب أردني