دوشة فنية

حنان أبو الضياء تكتب: « تراب الماس » .. الموت القادم بتوليفة سينمائية صادمة!

 

تراب الماس توليفة سينمائية صادمة  منذ مشهد البداية الى تترات النهاية؛ ومع ذلك تتفق معها أو ترفضها إلا أنك ستدخل بعد مشاهدة الفيلم فى جدل ذاتى ليس فقط بسبب الطرح السياسى الذى يقدمه الفيلم كخلفية لايمكن فصلها عن مايريد قوله من خلال الأحداث ؛ولكن لأنك ستسأل نفسك عن الخط الفاصل بين الواقع الذى نعيشه والسرد السينمائى الذى يقدمه الفيلم له ؛وخاصة أن الصورة المطروحة له شديدة القسوة؛وتدور كلها فى محيط شارع واحد !.

فيلم تراب الماس هو التجربة الثالثة الجامعة بين الكاتب أحمد مراد وبين المخرج مروان حامد والتى سبقها “الفيل الأزرق” و”الأصليين”؛وهذا العمل أقرب فى تناوله الدرامى الى الفيل الأزرق لأعتماده على فكرة الجريمة الغامضة التى يكون ورائها خلفية أخرى بعيدة عن مفردات الجريمة التى تطفو على السطح فى مخيلتك عند أكتشافها؛ولكننا هنا أمام ربط بين الجريمة وأبعاد سياسية أخرى أراد مبدعى العمل الربط بينها ليس لزيادة التشويق ولكن ربما لأيمان سياسى بما يقدموه!؛ ومع ذلك ففى الوقت الذى يسمى فيه ثورة 52 أنقلابا ؛نراه يعظم من عبدالناصر على لسان الجد قبل أن يموت ؛مع التأكيد على أن ليس كل من ظلوا من اليهود فى مصر بعد الثورة كانوا وطنيين ؛فالجوهرجى حاول أرشاد طائرات الحلفاء من فوق السطح ؛ولعل هذا المشهد من أجمل المشاهد التقنية التى قدمها المخرج .

ومن الملفت للنظر فى هذا العمل أن مروان حامد مازال قادرا على خلق كادرات سينمائية يستعرض فيها قدراته على التحكم فى زوايا الكاميرا والأضاءة التى تعد عنصر أساسى فى تهيئة المشاهد للجوانب النفسية التى مقدم عليها بالنسبة لأبطال العمل. فى الواقع أن فيلم ’’تراب الماس’’ تركيبة لها مفرادتها الخاصة فى كل شئ بداية من الملابس والديكورات وأختيار أماكن التصوير وتوظيف ذلك دراميا وتعميقه بأضافة الخدع البصرية التي احتاج إليها المخرج خاصة فى المرحلة التاريخية بالفيلم، ليقنع المشاهد أن مايراه شديد الواقعية، وكان هناك أنتقال بين زمن وأخر بحرفية فنية عالية تحسب للفيلم كنقاط قوى قللت من حجم صدمات كل هذا العنف المحتوى عليه الفيلم ؛ وربما كان لتمكن مروان حامد من أدواته دورا فى الحفاظ على الإيقاع التشويقي لأحداثه طول الوقت؛ حتى وأن كنت تراها  فى بعض الوقت غير منطقية ؛رافضا مايريد أن يقوله الفيلم من أن الواقع به كل هذا الفساد .بالطبع العنف من أكثر الوسائل نجاحاً في خلق التشويق والمفاجأة عند المتفرج. فتوقع العنف يخلق التشويق، والحركة ذاتها تخلق المفاجأة إذا كانت مخالفة لتوقع المتفرج كما هو معروف ومع ذلك أجد أن الجرعة ذادت عن حدها فى هذا العمل وجعلته أقرب الى عمل مروان حامد “أبراهيم الأبيض” ؛ وربما أن أستخدام مروان حامد للعديد من التقنيات الفنية  مكنته كمخرج من جعل المشاهد تبدو أكثر عنفاً مما هى عليه في الطبيعة ؛بأستخدامه أحيانا القطع القافز ، الى جانب القطع عند لحظة الحدث فالإيحاء بالعنف من خلال القطع وأستخدام لقطة قريبة close up shot عند لحظة وقوع الحدث تماماً، مثل وضع تراب الماس فى كل مرة فى الطعام بالنسبة للقطة وفى أكواب الشاى لباقى الضحايا كان بمثابة التأكيد علي عنف الحدث ؛ولكنه أكتفى بالشارة الى المنشار الكهربائى وأستخدام الحامض فى البانيو للتخلص من البلطجى وأبقى المتفرج في حالة إثارة مستمرة ؛ مستخدما أسلوب القطع إلي صورة مختلفة تماما في اللقطة الثانيةً لكنها علي علاقة ما بالأولي ؛مما جعل تطابقهما مكنا ومؤثرا ؛ وبين الحين والأخر أستخدم التجميد المفاجيء للحركة بشكل غير ملحوظ وهو عنصر يحتاج الى مونتير فاهم مايريده المخرج . ولأن المفاجأة تكون حينما تكون النتيجة مخالفة لتوقع المتفرج المبني علي مقدمات الحدث ؛وهذا ماحدث عند ظهور الصورة التى بها تاريخ ليلة رأس السنة فى بيت هانى برجاس ،وبالتالي يبدأ المتفرج فى البحث عن القاتل الحقيقى مع البطل وهذا في حد ذاته يجعل النتيجة مرضية للمتفرج، بالطبع كانت المفاجأة فعالة عندما توصلنا أن ظابط الشرطة هو الفاعل لأن الأستنتاج جاء في سياق الأحداث بصورة منطقية، نفس الشئ حدث عند معرفة حقيقة المذيع الذى لعب دوره أياد نصار ؛وأن كانت ردود أفعاله غير متوقعة بالنسبة للمشاهد، وهذا ماجعل التأثير مضاعفاً ؛ ولأن هناك بعض الخدع التي يستخدمها المخرجون لخلق حالة شعورية معينة في المشهد، ومنها  القوة وبدا هذا واضحا فى مشهد أغتصاب أياد نصار لمنة شلبى .

وفى الحقيقة أنه رغم هذا الكم من العنف إلا ان العمل يعد من الأعمال الجيدة فى هذا النوع من الأفلام وخاصة أن حل اللغز كما هو فى أعمال أحمد مراد الروائية لا يحتاج الى بطل خارق بقدر أستخدامه التتابع المنطقى للأحداث وأستدعاء الذاكرة ؛الى جانب أن تصرفات البطل أقرب الى رد الفعل منها الى الفعل نفسه وأعتقد أن “اثر ياسين “بهذا العمل أنضم الى قائمة الممثلين القادرين على الأنتقال فى الأداء من خانة الى أخرى بسلاسة لايشعر بها المشاهد ؛نفس الشئ فعله أياد نصار ؛ ولكننا كالمعتاد سنقف أما أبهار ماجد الكدوانى القادر على سرق الكاميرا فى آى مشهد يقدمه .وجاء عزت العلايلى ليعمق الشخصية التى يؤديها وبالأخص فى المشهد الجامع له مع أحمدكمال الذى وقع على عاتقه كممثل توصيل ماكتبه المؤلف وما أراده المخرج ؛ويبقى فى النهاية أن المشاهد القليلة لبيومى فؤاد أخرجته من جلده مما يؤكد أننا أمام مخرج قادر على أدارة ممثليه.

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى