قبل أيام، قال رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري بحسرة وألم إن الوضع في لبنان عاد إلى نقطة الصفر. كان يتحدث عن جهود تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة بعد مرور أكثر من خمسة أشهر على الانتخابات.
الذي حدث أنه بعد أن كان رئيس الوزراء سعد الحريري قد أعلن قرب تشكيل الحكومة، تفجرت خلافات بين الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية أعادت الوضع إلى نقطة الصفر، كما قال بري.
أكثر من خمسة أشهر، ويعجز لبنان عن مجرد تشكيل حكومة جديدة.
ليس في الأمر أي غرابة. هذا وضع طبيعي. حقيقة الأمر أن لبنان لم يغادر نقطة الصفر أصلا كي يعود إليها.
نعني أنه طالما أن لبنان محكوم بالطائفية وبنظام المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب، فسيظل عند نقطة الصفر ولن يتقدم إلى الأمام.
أي نظام طائفي محكوم بالمحاصصة الطائفية لا يمكن أبدا أن ينجح في التقدم بالبلاد إلى الأمام، ولا يمكن أن يتجاوز أزماته المسعتصية، ولا يمكن إلا أن يكون نظاما عاجزا عن حماية المصلحة الوطنية.
أسباب ذلك كثيرة، لكن في مقدمتها أسباب ثلاثة:
1 – أنه في ظل النظام الطائفي والمحاصصة الطائفية، فإن كل ما يهم الأحزاب والقوى السياسية هو مصالحها الطائفية الضيقة ومنافعها الطائفية، ولا يهمها كثيرا أي مصلحة وطنية عامة. وحين تتعارض المصلحة الوطنية مع المصلحة الطائفية، فإن الأولوية هي للطائفية.
2 – أنه في ظل هذا النظام، لا قيمة ولا وزن أو اعتبار للكفاءة والمقدرة في اختيار المناصب العامة؛ بمعنى أنه عند تشكيل الحكومة واختيار أشخاص لتولي مناصب عامة، فإن كل ما يهم الأحزاب والقوى الطائفية هو أن يكون هؤلاء من بين المنتمين إليهم طائفيا، حتى لو لم يكونوا على أي قدر من الكفاءة أو القدرة على خدمة الوطن.
3 – أنه في ظل النظام الطائفي، يكون القرار الوطني مسلوبا؛ بمعنى أن الطائفية تفتح المجال واسعا حتما أمام الدول والقوى الأجنبية للتدخل في الشؤون الداخلية والتحكم بالقرار الوطني على أسس طائفية. هذا ناهيك عن أن القوى الطائفية عادة ما تكون في خدمة دول وقوى أجنبية أساسا.
يصح كل هذا بالنسبة إلى أي نظام طائفي يقوم على المحاصصة الطائفية. وبالنسبة إلى لبنان، فإن ما يزيد من محنته وورطته، وجود حزب طائفي يمتلك ترسانة من السلاح ويفاخر بعمالته للنظام الإيراني هو حزب الله، وعن هذا الطريق يفرض سطوته على الحياة السياسية وعلى القرار الوطني.
وما يقال عن لبنان يقال أيضا عن العراق ولنفس الأسباب.
العراق بعد الاحتلال الأمريكي غرق في الطائفية، وتأسس فيه نظام طائفي يعتمد المحاصصة الطائفية. وفي العراق مئات المليشيات الطائفية المسلحة العميلة للخارج في أغلبها.
وقد جرت في العراق انتخابات مؤخرا، وتم تعيين رئيس للوزراء، لكن لا أحد يعلم هل سيستطيع تشكيل حكومة فعلا أم لا. أغلب الظن أن الأمر سينتهي به إلى نفس ما انتهى إليه الأمر في لبنان.
الشعب العراقي أظهر مؤخرا رغبته في التحرر من الطائفية وفي التحرر من السطوة الإيرانية وفي إقامة حكومة لا طائفية تنهض بالبلاد، وبعض القوى السياسية أظهرت أيضا رغبتها في البعد عن نظام المحاصصة، وتشكيل حكومة كفاءات بعيدا عن الأحزاب الطائفية. لكن انظر ماذا جرى.
الأحزاب والقوى الطائفية في العراق أعلنت رفضها المطلق أن يكون الوزراء من المستقلين أو من التكنوقراط بعيدا عن الأحزاب. اشترطت على رئيس الوزراء عادل عبدالمهدي أن يكون الوزراء من بين أعضاء هذه الأحزاب، وأن يقدموا هم الأسماء المقترحة لتولي الحقائب الوزارية.
والنتيجة معروفة، إما أن يفشل رئيس الوزراء في تشكيل حكومة بعد مرور أشهر، وإما أن يشكل حكومة طائفية لا كفاءة لها كالعادة، وعاجزة بالتالي عن حل أي أزمة والتقدم بالبلاد خطوة واحدة إلى الأمام.
وفي المحصلة النهائية، سيظل لبنان والعراق عند نقطة الصفر طالما بقيا في قبضة الطائفية والمحاصصة الطائفية، ولن يحدث أي تقدم إلى الأمام.