الحديث المطول الذي أدلى به ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لوكالة بلومبرج أثار اهتماما واسعا نظرا إلى القضايا التي أثارها والآراء التي عبّر عنها. لكن أكثر ما أثار الاهتمام في الحديث ما قاله واعتبره المراقبون بمثابة رد على التصريحات التي صدرت مؤخرا عن الرئيس الأمريكي ترامب عن السعودية وتحدث فيها عن ضرورة دفع الأموال في مقابل ما اسماه الحماية الأمريكية.
الأمير محمد بن سلمان أثار هنا ثلاثة جوانب كبرى نبه إليها:
أولا: التذكير بحقيقة تاريخية هي أن السعودية موجودة قبل أن توجد الولايات المتحدة الأمريكية.
والمعنى هنا واضح.. أن الحديث عن أخطار يمكن أن تهدد وجود السعودية لأي سبب من الأسباب سواء تخلت أمريكا عن دورها في المنطقة أو غيره، هو حديث ليس له معنى.
ثانيا: التذكير أيضا بحقيقة أن السعودية تقدم بالفعل دعما هائلا للاقتصاد الأمريكي عبر مشتريات السلاح وأوجه العلاقات الاقتصادية الأخرى.
وحرص ولي العهد السعودي هنا على أن ينبه إلى أن السعودية، وبعد مجيء ترامب وتقديرا لمواقفه، غيّرت استراتيجية التسليح بحيث يصبح 60% منها مع أمريكا، ويعني هذا عشرات، بل مئات المليارات من الدولارات تذهب إلى أمريكا، وليست مجانية.
وعلى خلفية من هذه الحقيقة، قال الأمير محمد بن سلمان إن السعودية لن تدفع شيئا في مقابل أمنها.
ثالثا: التنبيه إلى حقيقة أخرى، وهي أن أمريكا بشكل عام ليست قادرة بالضرورة على أن تفعل ما تشاء أو تفرض ما تشاء.
الأمير محمد بن سلمان قدم هنا مثالا ساطعا يؤكد هذا هو ما فعلته إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما. قال هنا إن إدارة أوباما عملت ضد أغلب أجندة السعودية ودول المنطقة، ولكن الذي حدث أننا كنا قادرين على حماية مصالحنا، والنتيجة النهائية أننا نجحنا وفشلت أمريكا في ظل أوباما كما حدث على سبيل المثال في مصر.
الذي يتحدث عنه ولي العهد السعودي هنا نعرفه جميعا وعشنا فصوله. الذي حدث أن إدارة أوباما لم تعمل فقط ضد مصالح دول الخليج العربية والدول العربية عامة وتستهدفها، بل إنها تآمرت على نظم الحكم العربية وتواطأت مع القوى المتآمرة ودعمتها كما حدث هنا في البحرين بدعمها للقوى الطائفية الانقلابية والتآمر معها، وكما حدث في مصر بدعمها للإخوان المسلمين.
لكن في النهاية، فشلت إدارة أوباما في مؤامراتها ولم تستطع فرض مخططها الذي أرادت تنفيذه.
هذه الجوانب الثلاثة هي تنبيه لحقائق يتجاهلها الرئيس ترامب، أو بالأحرى يتعمد تجاهلها. ولعل أكبر هذه الحقائق على الإطلاق أنه أصلا لم يكن الدور الذي تلعبه أمريكا في إطار تحالفها مع دول الخليج العربية في أي يوم من الأيام دورا مجانيا. في ظل الإدارات الأمريكية المتعاقبة عبر العقود الماضية، وسواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، كانت دول الخليج العربية هي التي تتحمل الأعباء، وكانت أمريكا تحصل على أموال طائلة عبر مشتريات السلاح وغيرها. ليس هناك معنى إذن للحديث الآن عن ثمن تدفعه دول الخليج العربية في مقابل الدور الأمريكي.
يبقى أن ما قاله الأمير محمد بن سلمان على هذا النحو ينطوي على رسائل، وإن لم يقلها صراحة، إلا أنها واضحة من مضمون وسياق الحديث.
ولعل في مقدمة هذه الرسائل أن اللغة التي تحدث بها الرئيس ترامب مؤخرا عن السعودية، ليست باللغة التي يجوز الحديث بها حين يتعلق الأمر بعلاقات بين حلفاء استراتيجيين.
ومن أهم هذه الرسائل أيضا أنه من الخطأ الفادح المبالغة فيما تستطيع أمريكا أن تفعله أو لا تفعله والمبالغة في دورها وما تقوم به.
أيضا من أهم هذه الرسائل أن من الخطأ الفادح أن تحاول أمريكا أو غيرها التقليل من شأن الحلفاء بأي شكل من الأشكال وعلى أي مستوى.
وعلى العموم، المفروض أن تدرك أمريكا أنه في نهاية المطاف فإن لدى دول الخليج العربي كثير من الخيارات الاستراتيجية البديلة التي تستطيع اللجوء إليها.