كانت معظم الدول العربية آنذاك ترزح تحت الاحتلال الأجنبي، وجاءت هزيمة 1948، لتشعل الثورة في نفوس الشعوب العربية لتبدأ رحلة البحث عن الاستقلال التي انطلقت في الخمسينيات والستينيات، وكان نجاح الجيش المصري في القيام بثورة يوليو 1952 هو العامل الحاسم في استقلال مصر، والوقوف إلى جوار الشعوب العربية المحتلة بعد ذلك حتى تحقق النصر واستقلت كل الدول العربية بلا استثناء.
ظل التربص بالمنطقة العربية قائماً وموجوداً حتى كانت الكارثة الكبرى التي وقعت عام 1967، وقيام إسرائيل باحتلال أجزاء كبيرة من مصر والأردن وسوريا ولبنان، والتهام كامل الأراضي الفلسطينية.
كانت حرب 1967 بمنزلة زلزال مدمر ضرب المنطقة العربية في مقتل لأنه أعاد مرة أخرى الاحتلال الأجنبي إلى الأراضي العربية، وارتدى هذه المرة عباءة الاحتلال الإسرائيلي.
المعروف أن إسرائيل كانت ولا تزال تقوم بدورها نيابة عن قوى الاحتلال القديمة، والقوى الكبرى الجديدة وخاصة الولايات المتحدة الأميركية، لأنه لولا هذا الدعم غير المشروط من هذه القوى القديمة والجديدة، لما استطاعت إسرائيل أن تستمر يوماً واحداً من دون ذلك الدعم وتلك المساندة.
شعرت إسرائيل بعد 1967 بالزهو والانتصار، وأطلقت على جيشها الجيش الذي لا يقهر، وبدت متغطرسة ورافضة كل الحلول الدولية ومنها رفضها الالتزام بالقرارات الدولية والعودة إلى حدود ما قبل حرب 1967.
على الفور تحرك الجيش المصري ليعيد بناء قواته مرة أخرى، وكانت البداية هي حرب الاستنزاف أو حرب الألف يوم كما أطلق عليها بعض الإسرائيليين لأنها امتدت قرابة ثلاث سنوات.
كانت بداية حرب الاستنزاف هي ما عرف بمعركة رأس العش التي تصدت فيها قوات الصاعقة المصرية بنجاح للمدرعات الإسرائيلية التي حاولت احتلال مدينة بور فؤاد، بعد ذلك استمرت الحرب وتصاعدت وكبدت القوات المصرية قوات الاحتلال الإسرائيلية خسائر فادحة، مما أصاب الإسرائيليين بالجنون، وبدأوا يستهدفون المدنيين المصريين مثلما حدث في جريمة استهداف مدرسة بحر البقر.
خلال حرب الاستنزاف كبدت القوات المصرية القوات الإسرائيلية خسائر فادحة في الأرواح والمعدات، وخاصة بعد نجاح الجيش المصري بالتعاون مع الاتحاد السوفييتي آنذاك في بناء حائط الصواريخ لتأمين العمق المصري.
تولى الرئيس الراحل أنور السادات مسؤولية الحكم خلفاً للزعيم جمال عبدالناصر، واستطاع خلال فترة وجيزة استكمال كل نقاط الضعف في القوات المسلحة في مرحلة من أصعب مراحل التاريخ المصري على الإطلاق، الأمر المؤكد أن السادات سيظل فترة طويلة رمزاً للحرب والسلام ونموذجاً يحتذى في فن إدارة الحروب، وما قبلها وما بعدها، فالنصر لا يأتي مصادفة، وإنما لا بد من جهد شاق وعمل جبار لكي يتحقق، وهو ما فعله الرئيس الراحل أنور السادات ويحتاج الأمر إلى جهد كبير من الباحثين والسياسيين والمؤرخين لفهم طبيعة شخصية الرئيس الراحل وقدراته السياسية والعسكرية.
6 سنوات من الأشغال الشاقة والتدريب والجهد والكفاح تحملتها القوات المسلحة المصرية من هزيمة 1967 حتى نصر أكتوبر 1973.
في أكتوبر 1973 تحقق النصر الأول للعرب بعد عقود طويلة وقع خلالها العالم العربي أسيراً للاحتلال والعدوان منذ بداية حملات الاحتلال حتى هزيمة 1967.
جاءت حرب أكتوبر لتعيد ثقة الجيش المصري بنفسه، وتحطم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي كان لا يقهر، وتعيد للشعوب العربية كلها كرامتها وعزتها بعد أن وقفوا إلى جوار الجيش المصري في ملحمة رائعة حتى كللت تلك السيمفونية بالنصر المبين في أكتوبر 1973.
لا تزال حرب أكتوبر خنجراً في قلب كل إسرائيلي يجتر ذكرياتها الأليمة بالنسبة له كلما تذكرها، وكانت آخر تلك الشهادات هي التي أطلقها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال خطابه أمام اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة الشهر الماضي حينما قال «لقد تكبدت إسرائيل خسائر فادحة في الأرواح والمعدات نتيجة أخطاء رئيسة الوزراء غولدا مائير التي لم تهتم بالتقارير الخاصة باستعدادات مصر لضرب إسرائيل».
لم تهتم غولدا مائير باستعدادات مصر العسكرية لأن إسرائيل كانت قد وصلت إلى مرحلة غير مسبوقة من الغطرسة والغرور، وأطلقوا على جيشهم الجيش الذي لا يقهر، إلا أن الجيش المصري البطل استطاع إعادة تغيير المعادلة من جديد في المنطقة كلها وفي العالم، وتغيرت الكثير من القواعد العسكرية بعد حرب أكتوبر، ووقف العالم كله مذهولاً بما حققه الجيش المصري في تلك المعركة التي أعادت الانتصارات مرة أخرى إلى العالم العربي بعد فترة طويلة من الهزائم والانكسارات.
الآن يعيد الجيش المصري الملحمة من جديد، حينما يقوم الآن بأعظم المعارك ضد الإرهاب الأسود في إطار العملية الشاملة سيناء 2018 التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي ليكسر شوكة الإرهاب الأسود إلى غير رجعة في مصر والعالم العربي، وليقدم نموذجاً للعالم كله في التخلص من الإرهاب الذي ألقى بظلاله القاتمة على معظم دول العالم.
تحية إلى الجيش المصري العظيم الذي سجل أول الانتصارات العربية في العصر الحديث خلال حرب أكتوبر المجيدة ليعيد الشعور بالعزة والكرامة والكبرياء إلى كل الشعوب العربية.