كان أمرا غريبا جدا أن تثار كل هذه الضجة، ويطرح البعض تساؤلات كثيرة ويجهدوا أنفسهم في البحث عن تفسيرات، لمجرد ان وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، التقى لقاء عابرا مع وزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وعانقه وتبادل معه حديثا قصيرا بدا حديثا وديا.
لقد قرأت تعليقات غريبة لكتاب ومحللين عرب على اللقاء وابعاده السياسية، وكيف أنه يعكس تحولا في المواقف والسياست الخليجية عامة، وما الذي يمكن ان يعنيه هذا.. وهكذا. بل انني قرأت لأحدهم اعتباره ان ما فعله وزير خارجيتنا أمر «خارج» وغير مقبول. وأضحكني أحد الصحفيين العرب المعروفين حين قال ان هذا لا يمكن ان يحدث ما لم يكن هناك توافق خليجي عربي عليه. هل توافق الخليجيون والعرب مسبقا على ان يلتقي وزير خارجيتنا صدفة مع المعلم وأن يعانقه ويتحدث معه؟!!
اللقاء لا يستأهل كل هذا الشطط والتفلسف.
مهما كانت الخلافات مع النظام السوري، ومهما كانت الآراء حول الأزمة السورية عامة، فإن سوريا في نهاية المطاف هي بلد عربي شقيق، ووليد المعلم هو وزير خارجية سوريا. وليس امرا غريبا أو شاذا ان يصافح أي مسؤول عربي المعلم أو غيره من المسؤولين السوريين حين يلتقي به مهما كانت الخلافات أو المواقف السياسية.
وقد أعجبتني في الحقيقة التصريحات التي ادلى بها وزير الخارجية الشيخ خالد بعد اللقاء، فقد عبر فيها عن مواقف مهمة.
الوزير قال: هذه حكومة سوريا، ونحن نعمل مع الدول ولا نعمل مع من يسقط الدول.
ما يقوله الوزير واضح.. ان الحكومة السورية هي الحكومة الشرعية في سوريا، ومن الطبيعي التعامل معها بغض النظر عن أي خلافات في المواقف أو السياسات، وهذا هو الأمر الطبيعي. الأمر الطبيعي ايضا أن يكون هناك موقف من الدول أو الجهات التي تسعى لإسقاط الدول وتدميرها، وليس مقبولا التعامل معها.
الأهم من هذا ما قاله الوزير من ان هناك اليوم تحركا عربيا لاستعادة الدور العربي في الأزمة السورية.
هذه قضية كبرى لها أهمية حاسمة.
لطالما تحدثنا في هذا المكان في السنوات الماضية عن خطورة غياب العرب عن الساحة السورية، وما أدى اليه ذلك من كوارث ومن تمكين الدول والقوى الأجنبية من ان يكون الملف السوري برمته بيدها مع كل ما يعنيه ذلك من تأثيرات كارثية ونتائج وخيمة لكل الدول العربية.
يستحيل ان نتحدث عن مصالح عربية نريدها أن تتحقق فيما يتعلق بسوريا في ظل الغياب العربي.
لكن ما هي المصالح العربية في سوريا اليوم؟
هذه المصالح تتلخص في:
1 – استعادة الدولة السورية لكل الأراضي السورية والسيطرة عليها، كما قال الوزير عن حق. هذه ضمانة أساسية لاستعادة الدولة السورية لقوتها، وللحيلولة دون تمزيق البلاد.
2 – الحفاظ على وحدة سوريا وعدم تقسيمها إلى مناطق نفوذ، والحفاظ على عروبة البلاد.
3 – ان تتحرر سوريا من نفوذ وسطوة الدول والقوى الأجنبية، وبعضها مثل إيران، دول معادية للعرب والعروبة.
هذه المصالح العربية الأساسية لا يمكن ان تتحقق من دون حضور عربي قوي وفاعل ومؤثر على الساحة السورية، ومن دون تواصل مع الحكومة السورية القائمة.
لهذا، نتمنى ان نشهد في الفترة القادمة ترجمة عملية لما تحدث عنه الوزير من تحرك لاستعادة الدور العربي في سوريا.
قد يقول البعض ان هذا التحرك تأخر كثيرا، وهذا صحيح بالطبع، لكن أن يحدث الآن هو في كل الأحوال خير من استمرار هذا الغياب العربي.