بعض متعاملي السوق النفطية العالمية يتوقع وصول سعر برميل النفط الى ١٠٠ دولار قبل نهاية السنة . وأسعار النفط الآن تتجه نحو الارتفاع. تخطى سعر برميل برنت نهاية الأسبوع الماضي ٨٠ دولاراً ليبلغ ٨٣ دولاراً يوم الجمعة الماضية . وذلك مع الاقتراب من موعد العقوبات الأميركية على إيران في ٤ تشرين الثاني (نوفمبر).
الرئيس الأميركي دونالد ترامب طالب الدول المنتجة، «أوبك» وغيرها، أن تزيد إنتاجها. فقال امام الجمعية العامة للأمم المتحدة إنه لا يرغب في أسعار نفط مرتفعة واتهم «اوبك» ودولاً خارجها بنهب العالم، بينما وزير النفط السعودي خالد الفالح قال في الجزائر ان السعودية لا تحدد سعر النفط وهذا هو الواقع. ونظيره الروسي ألكساندر نوفاك وآلان شريكه في التخفيض منذ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٧ في اطار تعاون ٢٤ دولة من «اوبك» وخارجها لإزالة الفائض الذي كان موجوداً في الأسواق، لم ير حاجة للزيادة وشاركه الفالح في هذا الرأي. فعلاً هناك ما يكفي من النفط في الأسواق ليغطي الطلب عليه. وأجرى ترامب اتصالاً بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان يوم السبت الماضي للتشاور حول استقرار السوق النفطية ونمو الاقتصاد العالمي.
مما لا شك فيه أن تاريخ السعودية في «أوبك» منذ عقود هو الاعتماد على سياسة استقرار السوق. والآن تعتمدها أكثر من أي وقت مضى حيث تفتقد السوق العالمية نحو مليون برميل من النفط الإيراني ومن انخفاض الإنتاج الفنزويلي بسبب العقوبات وتدهور الوضع السياسي في هذا البلد. فلو رأى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان ان السوق النفطية غير متوازنة وأن هناك شحاً في الأسواق، يزيد الإنتاج تمشياً مع سياسة دائمة للمملكة وهي أكبر دولة منتجة في «اوبك» للعمل على تعويض هذا الشح.
ومن يدعي ان السعودية لا تملك القدرة على زيادة طاقتها الإنتاجية الإضافية بسرعة وهي تبلغ بين ١.٥ الى مليوني برميل في اليوم مخطئ. فالسعودية منذ عقود تحافظ على قدرتها الإنتاجية الفائضة. وتحميها لأي طارئ في الأسواق النفطية. فهي لن تهدرها اذا لم تكن هناك حاجة الى زيادة النفط. وضغوط ترامب على دول اوروبا والعالم لإيقاف شراء النفط الإيراني نجحت إلى حد أن الصين التي كانت تشتري من إيران نحو ٧١٨٠٠٠ برميل من النفط الإيراني في اليوم، خفضت مشترياتها من النفط الإيراني خمسين في المئة في أيلول (سبتمبر) ما يمثل مشكلة كبرى لإيران التي تكسب من عائداتها الشهرية من مبيعات نفطها للصين نحو١.٥بليون دولار. والسعودية لديها قدرة على أن تضع في السوق فوراً مليوناً ونصف مليون برميل في اليوم إذا كانت هناك حاجة لذلك إضافة إلى ان روسيا التي اصبحت شريكاً وثيقاً في مجال النفط للسعودية تنتج أكثر من ١١ مليون برميل في اليوم، ونوفاك كان اكد مع شريكه السعودي في اجتماع الجزائر للجنة مراقبة السوق ان السوق النفطية متوازنة في حين ان المضاربين والمتعاملين في الأسواق يقولون إن هناك شحاً وإن السوق النفطية تشهد توتراً.
لهذه الأسباب ارتفعت اسعار برنت المستقبلية منذ أواخر آب بنحو١٤دولاراً. معظم اصحاب صناديق الاستثمار يراهنون على ارتفاع في الأسعار للمدى القصير والمتوسط. والسعودية مدركة بخبرة سابقة أن سعر مئة دولار يشجع الإسراع في التنقيب عن النفط الصخري الأميركي الذي يزداد حالياً بسرعة تفوق آليات نقله وتصديره. ولكن عندما ترتفع أسعار النفط يسرع مستثمرو القطاع في إنشاء عدد أكبر من الأنابيب لنقله ثم تصديره وفي غضون سنتين تصبح اميركا مصدراً مهماً للنفط بعد أن أصبحت الآن مصدراً للغاز.
ليس من مصلحة منتج مثل السعودية أو أي عضو آخر في «أوبك» أن ترتفع الأسعار إلى مئة دولار لأنها اختبرت ذلك من قبل في ٢٠٠٨. وفي جميع الأحوال إن العامل النفسي يلعب دوراً مهماً في التأثير في الأسعار خصوصاً خلال الأحداث الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وفي أميركا اللاتينية. يعني ذلك انه حتى في وجود عرض كاف من النفط يؤدي التخوف من شح إلى ارتفاع أسعار النفط. فالعوامل المؤثرة عديدة ولكن ترامب رغب في إلقاء المسوؤلية على «أوبك» والدول المنتجة الأخرى.
إن جميع الإدارات الأميركية السابقة انتقدت «أوبك» وحملتها مسوؤلية ارتفاع أسعار النفط. هذا ليس جديداً. ولكن أسلوب ترامب فريد من نوعه في تغريداته وخطاباته. فهو بعيد كل البعد عن اللغة الديبلوماسية اللائقة. وهو رئيس شعبوي محتاج الى ان تكون أكثرية الكونغرس في انتخابات تشرين الثاني مؤيدة له لذا يسعى إلى القول للشعب الأميركي إنه بطل تخفيض سعر غالون البنزين للسائق الأميركي. والوزيران الروسي والسعودي سيبحثان اليوم ما إذا كانت هناك تطورات جديدة في عوامل السوق ليروا إن كانت هناك فعلاً حاجة لزيادة الإنتاج لأن كلاهما لا يريد القفز بالأسعار إلى مئة دولار للبرميل كما أنهما لا يريدان انخفاضه إلى ١٠ دولارات.