تحدثت أمس عما قاله الرئيس الإيراني روحاني مؤخرا من أن «إيران لاتتحمل مسؤولية تصرفات مؤيديها خارج حدودها»، وكيف اختلف المحللون حول ما يعنيه هذا. البعض رأى أنه إشارة إلى استعداد إيران للتخلي عمن عملائها ، والبعض الآخر اعتبر أنه إشارة إلى موجة جديدة من التصعيد الإرهابي.
ما هي حقيقة الأمر إذن؟
بداية، يمكن القول إن النظام الإيراني لا يستطيع في الوقت الحاضر وفي المستقبل القريب أن يغامر بتصعيد عملياته الإرهابية في المنطقة سواء مباشرة أو عبر القوى والمليشيات العميلة. لا يستطيع مثلا أن يغامر باستهداف القواعد والمصالح الأمريكية في المنطقة على نحو ما يهدد بعض المسؤولين الإيرانيين. ولا يستطيع حتى أن يغامر بعمليات إرهابية كبيرة يقوم بها العملاء في الدول العربية.
أسباب ذلك كثيرة في مقدمتها سببان:
أولا: إن النظام الإيراني بات يدرك جيدا أن الموقف الأمريكي الحازم في مواجهة الإرهاب الذي يمارسه هو والقوى العميلة له، والإصرار على وضع حد له، هو موقف جاد لا هزل فيه. الإدارة الأمريكية أظهرت هذا بوضوح شديد لإيران وللعالم.
ومعنى هذا أن النظام الإيراني يعلم جيدا أن أي تصعيد إرهابي جديد مباشرة أو عبر القوى العميلة، وأي استهداف للمصالح الأمريكية في المنطقة، يمكن أن يقابل برد فعل أمريكي في منتهى العنف، لا أحد يعرف كيف سيكون وإلى أي حد يمكن أن يذهب.
والنظام الإيراني ليس في وضع يسمح له بالمغامرة، ولا بالمخاطرة بالدخول في مواجهة مباشرة مع أمريكا.
والثاني: الأوضاع الداخلية المنهارة في إيران على كل المستويات، والغضب العارم الذي أظهره الشعب الإيراني في الفترة الماضية في مواجهة النظام رفضا لسياساته ومواقفه.
وبات معروفا على نطاق واسع في داخل إيران وخارجها أن أحد الأسباب الكبرى للاحتجاجات الشعبية التي تفجرت هو رفض ما يفعله النظام من هدر للأموال لتمويل ودعم الجماعات والقوى العميلة في الدول العربية في الوقت الذي يعاني فيه المواطن الإيراني أشد المعاناة، والمطالبة بوقف هذا الدعم.
هذا الموقف الشعبي الإيراني أصبح يمثل بلا شك قيدا على النظام الإيراني، وعلى الحدود التي يمكن أن يذهب إليها في دعم هذه القوى والجماعات. والمؤكد أن الشعب الإيراني لا يمكن أن يقبل أن يبدأ النظام موجة جديدة من التصعيد الإرهابي عبر هذه القوى يمكن أن يعرض البلاد لأخطار فادحة.
إذن، على ضوء هذين العاملين، من المستبعد أن يكون روحاني يعني بكلامه موجة جديدة من التصعيد الإرهابي تقوم بها القوى والجماعات العميلة.
ما الأمر إذن؟ ما الذي يقصده بالضبط بكلامه؟
الأمر في تقديرنا أن ما قاله روحاني هي رسالة إلى الإدارة الأمريكية.. رسالة مؤداها أن إيران مستعدة للتضحية بالقوى والجماعات العميلة لها في المنطقة والتخلي عنها ، ولكن بشرط أن يكون الثمن مناسبا.
لنلاحظ أن هذه القوى والجماعات هي مجرد أدوات لخدمة المشروع الإيراني والمصلحة الإيرانية، والنظام يدعمها على هذا الأساس فقط.
بعبارة أخرى، إذا اقتضت المصلحة الإيرانية التخلي عن هذه الجماعات وقبض ثمن ذلك، فلن يتردد النظام في ذلك.
هؤلاء بالنسبة للنظام الإيراني مجرد سلعة هو مستعد لبيعها لذا كان الثمن مناسبا.
باختصار، الرئيس الإيراني بما قال يستخدم هؤلاء العملاء ورقة من أوراق التفاوض، ويبعث برسالة إلى الإدارة الأمريكية تشير إلى استعداد النظام للتخلي عنهم في مقابل ثمن معقول.
كم يبلغ ثمن هؤلاء بالنسبة إلى النظام الإيراني؟.. مجرد أن تتعهد أمريكا بعدم العمل على إسقاط النظام وتخفف من العقوبات، سيكون ثمنا مناسبا.