مع بدء العام الدراسى الجديد ومع بدء تطبيق ما تمت تسميته بـ« النظام التعليمى الجديد » والضجة الإعلامية التى صاحبت هذا النظام والانقسام الذى حدث حول جدواه واقتناع البعض بأن هذا النظام سيقضى على سياسة التلقين والدروس الخصوصية وإيجاد بديل اسمه بنك المعرفة.
ومر أسبوع على بدء الدراسة واعتقدت أن جميع التلاميذ استلموا التابلت ومحمل عليه كل الكتب والمناهج مشروحة، وأنه تم تدشين بنك المعرفة حتى يدخل عليه التلاميذ ويراجعوا الدروس عليه، ولكن للأسف تبين أن النظام الجديد كعادة كل الحكومات المصرية هو مجرد شو إعلامى ومحاولة من كل وزير أن يجد لنفسه نوعاً من التميز عن باقي زملائه حتى ولو باع الوهم للناس.
فلم يتسلم التلاميذ التابلت وحتى الكتب نفسها والبحث جارٍ من قبل أولياء الأمور على الكتب الخارجية والإقبال تزايد على الدروس الخصوصية، وضاعف أباطرة الدروس الخصوصية أسعارهم ويتحكمون فى اختيارهم للتلاميذ ويجرون كشف هيئة قبل قبولهم، وتسمع مهازل عن وسطات تجرى لدى المدرس الفلانى لقبول طالب أو إيجاد مكان فى سنتر يعمل به.
ورغم أننى كنت من المتفائلين بموضوع الثانوية العامة الجديد فإن هذا النظام أصبح مع الأسبوع الأول يصب فى جيوب أباطرة الدروس الخصوصية مع غياب الكفاءات من المدرسين فى المدارس العامة والخاصة أيضا التى تحولت إلى سبوبة لكسب مزيد من المال، وغابت عنها الرقابة التى من المفروض أن تقوم بها وزارة التربية والتعليم ومراجعة مؤهلات وكفاءة ومرتبات المدرسين فيها.
وطالما أن الحكومة ووزارة التربية والتعليم غير مستعدة لتطبيق هذا النظام، فلماذا الاستعجال على تطبيقه وإحداث ارتباك كبير فى جميع المدارس وحالة عدم فهم لما يحدث، وهو ما حذر منه الخبراء، خاصة أن ما قالت عنه الوزارة إنها أجرت تدريبات اتضح أنها مجرد تستيف أوراق، مثلما حدث فى التدريب الخاص بالبكلوت فى العام قبل الماضي.
فالاستسهال فى إحداث تغيير فى منظومة التعليم آفة كل وزراء التعليم المتتالين منذ إلغاء سنة سادسة ابتدائى وإعادة هذه السنة ونظام الثانوية العامة على سنتين وإلغائه وعودته إلى سنة اخرى وحتى النظام الجديد فكلها كانت فقط للشو والبقاء فى المنصب أطول فترة ممكنة، لكن المحصلة النهائية انهيار تام فى منظومة التعليم وإلغاء كلمة التربية من الوزارة، وأصبحت الأجيال المتتالية تفتقد إلى القواعد الأخلاقية فى التعامل مع الدولة ومع المدرسة ومع الأسرة.
فالدول التى لديها نظام تعليمى ناجح وجيد وفرت الأول كل الإمكانيات من حيث البنية الأساسية من مدارس مجهزة تجهيز حديث وتوفير الإمكانيات التعليمية من أجهزة حديثة وتشديد الرقابة النزيهة والمستقلة على كل مكونات العملية التعليمة من مدارس عامة وخاصة وعمليات طباعة الكتب والأجهزة.. الخ، وهذا الجهاز مهمته التأكد من توفر الإمكانيات والمؤهلين لقيادة النظام التعليمى المراد تطبيقه الحكومة.
فالتعليم فى مصر منذ 60 عاماً يمر بمحنة وتحول إلى حقل تجارب تجرى عليه بدون دراسة أو وعى وأى مجهود يبذل يواجه بقلة الإمكانيات، وانعدام الضمير التى تتمثل فى عبارة «كله تمام يافندم» وتستيف الأوراق، فنحن فى مجتمع لا يعرف غير الورق، ولا يريد المسئول أن يتابع ما يجرى على أرض الواقع ولكن ما يريده تستيف الورق فقط، وهى آفة كبرى فى المنظومة الإدارية المصرية، وتظهر بصورة واضحة فى تطبيق ما يسمى النظام التعليمى الجديد.
فقد بدأ العام الدراسى دون أن يحس التلميذ أن هناك تغييراً جرى وأن المدرسة أصبحت بالفعل مدرسة حديثة، وأن المدرسين قادرون على الشرح ويملكون أدوات توصيل المعلومة لهم حتى يتحمس، لكن للأسف: وجد الوضع كما هو عليه، بل العكس الوضع يتجه إلى السوء يوماً وراء الآخر.