نون والقلم

د. محمد عاكف جمال يكتب: حزب الدعوة.. هل حان موعد الرحيل؟

منذ البدايات الأولى لتأسيس الدولة العراقية مطلع عشرينيات القرن المنصرم لم يكن هناك حضور يذكر لأحزاب أو حركات تتبنى أجندة إسلامية، إذ لم تتشكل حركة الإخوان المسلمين التي أصبحت فيما بعد الحزب الإسلامي إلا في منتصف أربعينيات القرن المنصرم.

ولم يتشكل حزب الدعوة إلا في نهاية خمسينياته وأعقبته بعد ذلك بقية الأحزاب والحركات الإسلامية الشيعية. إلا أن جميع هذه التنظيمات، أحزاباً وحركات، سنية وشيعية، لم يكن لها حضور سياسي مؤثر في الشارع العراقي.

إلا أن عام التغيير 2003 شهد لأول مرة في أجواء الاصطفافات الطائفية حضوراً كثيفاً لنشاطات الإسلام السياسي تحت قيادة عدد من الكيانات السنية والشيعية: الحزب الإسلامي، حزب الدعوة، المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، حزب الفضيلة، التيار الصدري، التي حصدت أصوات الناخبين في الانتخابات التشريعية الأولى.

وما بعدها وفق هذه الاصطفافات، فمعظم قيادات وكوادر هذه الكيانات لم تكن معروفة داخل العراق بسبب ظروف العمل السري أو بسبب هروبها وإنشاء قواعد لنشاطاتها بأسماء مستعارة في إيران وسوريا وبعض الدول الأوروبية. وقد تصدر حزب الدعوة المشهد السياسي باعتباره التنظيم السياسي الشيعي الأقدم والأبرز الذي كان مستهدفاً من قبل النظام السابق.

هذا الحزب لم يصل إلى سدة الحكم منذ أول انتخابات تشريعية عام 2005 بسبب تفوقه في عدد المقاعد التي حصل عليها بل محصلة للتوازنات القائمة داخل كتلة التحالف الوطني، حيث يجيد الدعويون المناورات في مسارحها ويمتلكون القدرات في توظيف علاقاتهم الإقليمية في التأثير على مواقف الشركاء الآخرين في التحالف.

حزب الدعوة يفاخر بعدد مايدعي بأنهم «شهداءه» ـ وهذا تقليد ليس بالجديد في الحالة العراقية، حيث تفاخر أحزاب أخرى بسجلها الطويل في تقديم الضحايا، ولكن ذلك في الحسابات السياسية أمر يخص الحزب، إلا أن ما يهم الشعب هي البرامج والخطط التي بقدرة هذا الحزب تقديمها في المجالات الحيوية التي تتعلق بالحاضر وما يسعى لإنجازه في المستقبل من أجل توفير مستلزمات الحياة الكريمة للمواطن وعلى رأسها الأمن وتوفير الخدمات التربوية والتعليمية والصحية.

سجل هذا الحزب على مدى خمسة عشر عاماً في سدة الحكم يصعب الدفاع عنه حتى من قبل أقرب المقربين له، لأن هذا الحزب أصبح بنظر الشارع العراقي، وهذا ليس من فراغ، بل حكماً أطلقه المتظاهرون، رمزاً للفساد والفشل والتضليل والتفرقة والتفريط بسيادة وتراب الوطن وغير ذلك الكثير من الأوصاف التي لا تسمح باستمرار تصدره المشهد السياسي.

الحزب يشهد تراجعاً كبيراً في حضوره في المجلس النيابي، فعدد أعضائه الذين فازوا في انتخابات 2018 لم يتجاوز 15 عضواً، معظمهم في ائتلاف دولة القانون، في حين بلغ عددهم ما يقرب من 35 عضواً في انتخابات عام 2014.

ويعاني هذا الحزب من انقسامات عدة في صفوفه وتسود أوساطه المخاوف من خطورة المآلات في حالة خسارته منصب رئاسة الوزارة، ويعمل جاهداً لرأب الصدع في بنيته، وإيجاد صيغة تفاهم وتوافق بين جناحيه في دولة القانون.

حيث عقدت قيادة ومجلس شورى الحزب اجتماعاً مشتركاً في الثاني والعشرين من سبتمبر الجاري ناقشت فيه الظروف والملابسات التي تعترض توحيد وجهات النظر دون ظهور نتائج إيجابية بسبب عمق الخلافات.

بقي حزب الدعوة في صدارة العملية السياسية بسبب بقاء كتلة التحالف الوطني الأكبر في مجلس النواب موحدة برغبة طوعية من مكوناتها أو تحت ضغوط إقليمية، إلا أن هذا الثابت الذي حفظ للحزب هيمنته على الحياة السياسية لم يعد قائماً بعد أن تفككت هذه الكتلة على مستويين، الأول انشقاق تيار الحكمة بزعامة الحكيم.

وتيار سائرون بزعامة الصدر، والذهاب نحو تشكيل كيان سياسي جديد، والثاني التفكك داخل الحزب نفسه حين سار حيدر العبادي بعيداً عن زعيم الحزب نوري المالكي في خوض الانتخابات التشريعية في كيان منفصل تحت مسمى النصر.

قادة هذا الحزب وكوادره يعتبرون التفكك المزدوج الذي حصل داخل كتلة التحالف الوطني بمثابة كارثة تهدد مستقبله، ففي حالة خروجه من الحكم سيواجهون صعوبات جمة في لملمة صفوفه والعودة من جديد إذ ليس لديه رصيد من الإنجازات سوى ما هو سلبي.

فليس أمامهم إذا أرادوا الاستمرار في العمل السياسي إلا الانخراط في كيانات أخرى أو تشكيل كيانات سياسية جديدة هذا إذا لم تفتح ملفات الفساد الكثيرة جداً في عهدهم.

نقلا عن صحيفة البيان

أخبار ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى