بعيداً من استعراضية دونالد ترامب في الجمعية العمومية للأمم المتحدة عن إنجازاته الداخلية التي استدعت الضحك، واستعراضية الرئيس الإيراني حسن روحاني عن عزلة واشنطن وضرورة التزامها القانون وخروجها من الشرق الأوسط (!) ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، عن أن أميركا باتت في عزلة، ما استدعى الاستغراب، يتطلب الأمر بعض التبصّر.
مفهوم أن اللغة الخطابية على منبر الجمعية العمومية تقتضي بعض الاستعراضية، خصوصاً أن الرئيس الأميركي يواجه انتقادات خارجية وداخلية لعدد من خطواته غير المسبوقة، يحتاج معها إلى استخدام الألاعيب التلفزيونية. إلا أن هذا لا يلغي أن ما ينويه تجاه إيران «لتغيير سلوكها» كما يقول مستشاره للأمن القومي جون بولتون، جدي وليس من بنات أفكاره، بل هو من توجّه كان قائماً لدى المؤسسات الأميركية الاستخبارية والديبلوماسية منذ مدة. حتى أيام الرئيس المتساهل مع طهران باراك أوباما، كان الأخير يأمل تغييراً في الداخل الإيراني إثر الاتفاق النووي، كما قال في دفاعه عن الاتفاق، حين جرى توقيعه عام 2015.
وإذا كان أوباما أخّر خططاً للمؤسسات الأميركية لحسابات تتعلق برغبته في ضمان نجاح الاتفاق كإنجاز لفترة رئاسته، فإن المؤسسات الأميركية أطلقت هذه الخطط حين أجازها المستوى السياسي المتمثل بترامب وفريقه.
بعيداً من الاستعراضية، وعلى رغم حديثه عن التحالف الاستراتيجي مع دول الخليج ومصر والأردن، من يضمن ألا يخفف ترامب من ضغوطه على إيران وتدخلاتها في المنطقة إذا أعطت طهران ضمانات مباشرة لأمن إسرائيل، الذي هو الهم الرئيس لحاكم البيت الأبيض؟ ومقابل التهديدات لطهران بالمواجهة العسكرية، لردعها عن استخدام مؤيديها لضرب المصالح الأميركية، فإن الساحات التي يمكن طهران أن تفتعل لواشنطن ضربات فيها بالواسطة، لا تحصى.
من الجهة الإيرانية، تمتزج الاستعراضية بالمكابرة والاعتداد بالنفس، خلافاً للوقائع. اقتضت اللغة الدعائية في طهران أن يرد ظريف على رغبة ترامب في عزل إيران بالقول أن «المسار الذي تنتهجه واشنطن سيؤدي بها الى المزيد من العزلة»، مؤكداً أن «طهران أحبطت عقوبات واشنطن وقوانينها العابرة للحدود». مقابل الرهان على خلاف واشنطن مع دول أوروبا الرافضة انسحاب ترامب من الاتفاق على النووي، والساعية إلى تعويض طهران بعض ما ستخسره مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل من مداخيل النفط الخام الذي ستحظر العقوبات الأميركية عليها تصديره، تتوالى انسحابات الشركات الأوروبية العالمية من إيران تاركة استثماراتها ببلايين الدولارات. وتتزايد الدول التي تتخلى عن استيراد النفط الإيراني حتى لو كان بالمقايضة، وآخرها الهند.
صحيح أن حكام إيران مطمئنون إلى قدرتهم على إحكام قبضتهم على البلد، متكلين على آلة القمع، وعلى الشعور الوطني الفارسي في مواجهة الضغوط الخارجية، إلا أن الوجع الذي يصيب الجسد الإيراني، والاضطرابات الداخلية، لا بد من أن تدفع الطبقة الحاكمة إلى التفكير بتعديل سياستها الإقليمية. زوار طهران يشعرون بثقل الأزمة الاقتصادية المرشحة للتفاقم، وخسارة العملة قيمتها، على الشعب والمعيشة. ومقابل الافتخار بالقدرة على التدخل في عدد من الدول المجاورة والبعيدة، أثبت هجوم الأحواز على العرض العسكري للحرس الثوري، وأحداث أخرى أن فتح جبهات داخلية للحكم الإيراني أسوة بما يفعله في هذه الدول، ممكن، مقابل ركونه إلى أمنه.
بعيداً من الاستعراضية الإيرانية أيضاً، تتوسع الخطوات الأميركية حيال أذرع طهران. وستواكب العقوبات الجديدة أخرى تتناول «حزب الله» عبر مشروع يجري تحضيره في الكونغرس.
سبق للحزب أن أخضع لعقوبات مالية عام 2015، لكن المشروع الجديد يلحظ أن «الترسانة القاتلة والمتنوعة للحزب وتوسعه المتواصل لم يتم استهدافهما». ويستند إلى القرارات 1701 و2373 و1559 واتفاق الطائف، ليلاحظ أنه لم يتم تجريد الحزب من سلاحه، وأن الحدود الجنوبية غير آمنة. كما يرتكز على قرارات التجديد لقوات الأمم المتحدة في جنوب لبنان والقرار 2231 عن حظر نقل أي سلاح من إيران إلى الحزب، ليدعو إلى استعمال الوسائل القانونية والديبلوماسية والاقتصادية من أجل الحؤول دون استمرار ذلك. كما أن المشروع يدعو إلى العمل مع حكومة لبنان و«يونيفيل» وشركاء آخرين، لوضع جدول زمني لتطبيق استراتيجية لنزع سلاح الحزب. كما يدعو الحكومة الأميركية إلى التعاون مع إسرائيل من أجل تحييد سلاح الحزب ووقف النقل غير الشرعي للسلاح إليه. يطلب الكونغرس في هذا المشروع من المخابرات الأميركية أن تزوده خلال 90 يوماً بتفاصيل ما يملكه الحزب من صواريخ والطرق التي تستخدم لإيصالها، وجردة بتدخلاته في المنطقة ومدى فعالية يونيفيل في تحييد سلاحه وطريقة إنفاقه المال في الجنوب.
هل تنفع الاستعراضية في مواجهة كهذه؟
صحفي ومحلل سياسي