يحاول المصريون إنقاذ مسار المصالحة الفلسطينية الذي بدا وكأنه لم يعد ضمن اهتمام حركة حماس التي قررت المضي في مسار التهدئة عن طريق الضغط على الاحتلال بتكثيف المسيرات على السياج الحدودي، بهدف التوصل إلى تهدئة منفردة تعمل أطراف عدة لإنجازها، وهي قطر وتركيا والمبعوث الدولي نيكولاي ميلادينوف، ومن وراء ستار الطاقم الأمريكي برئاسة جاريد كوشنر، حيث تأكد أن هناك رغبة أمريكية في إعادة تأهيل حركة الإخوان في بعض الدول بدءاً من حماس.
ثمة توافق غير مكتوب بين الاحتلال وحماس على عدم التصعيد عسكرياً، لأن كلا الطرفين يتجنّب الدخول في مواجهة عسكرية، ويبقي سقف الاشتباك على السياج الحدودي. وكان المبعوث القطري محمد العمادي خفّ إلى غزة الأسبوع الماضي وأجرى لقاءات في رام الله مع رئيس الوزراء الفلسطيني والرئيس الفلسطيني، بهدف نقل عشرة ملايين دولار إلى حماس في غزة بحجة توفير الوقود للمستشفيات هناك، لكن السلطة رفضت أن تكون ناقلة أموال لحماس مع علمها أن المبعوث القطري ينقل أموالاً نقدية في كل مرة بموافقة «إسرائيلية»- أمريكية إلى حركة حماس التي لا تعاني نقصاً مالياً بسبب ما يصلها من دعم إيراني، لتمويل المسيرات، وما تجمعه من ضرائب وما تستثمره في الخارج في شركات ومؤسسات منذ عقود على طريقة التنظيم الدولي للإخوان، وقد تلاشى الحديث عن أزمة وقود في المستشفيات بغزة بعد وصول العمادي لأنها أزمة مفتعلة، فالوقود متوفر فيها.
المبعوث القطري أجرى لقاءات مع قادة حماس، حيث بدت كفة المحور القطري راجحة في مواجهة محور التفاهم مع مصر والسلطة، والتقى مسؤولين «إسرائيليين» بشأن التهدئة وصفقة تبادل الأسرى في سباق مع الجهود المصرية التي تحاول لمّ الصف الفلسطيني ضمن المصالحة، بحيث تكون التهدئة أسهل طبقاً لاتفاق سنة 2014، لكن حماس على ما يبدو جنحت نحو التهدئة وابتعدت عن المصالحة، بحجة أن اشتراطات حركة فتح لا تلبي مطالبها، حيث قدّم وفد فتح تصوّره الأسبوع الماضي للمخابرات المصرية، وأكد ضرورة التوافق على موقف فلسطيني سياسياً، أي دولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران سنة 1967 وتشكيل لجنة لبحث القضايا القضائية في غزة ولجنة للأراضي التي استولت عليها حماس ووزّعتها على موظفيها، وقام كبار تجارها بإعادة شرائها منهم، حيث لم يبق أية مساحة من الأراضي العامة.
وكانت ورقة حماس في السابق طلبت من مصر أن تكون قضية الأراضي والقضاء ومطالب أهالي ضحايا الانقلاب ضمن مسؤوليتها عند المصالحة، وأن تبقى الجباية المالية ضمن صلاحياتها لتموّل موظفيها، وهذا ما رفضته حركة فتح بشدة، لأن هذا ينتقص من صلاحيات حكومة الوفاق. فلا يمكن تصوّر حكومة لا تسيطر على القضاء والأراضي والجباية.
المصريون تفهّموا رد حركة فتح وأرسلوا وفداً عبر رام الله إلى غزة، وهم يدركون أن الرئاسة الفلسطينية في حالة استحالة المصالحة ستلجأ إلى قطع الصلات الإدارية والوظيفية مع غزة بالكامل ووقف تمويل قطاعات التربية والصحة والشؤون الاجتماعية ووقف رواتب موظفي السلطة البالغ عددهم قرابة 70 ألفاً في غزة، ما ينذر بكارثة أكبر في القطاع، لأنها لا تستطيع ترك حماس تتولّى الأسهل وما يعود عليها بالمال ولا تقدّم أية خدمات إلا لأنصارها، وتنشط لعقد صفقة تهدئة بمعزل عن الكل الفلسطيني.
عملياً يدرك المصريون حراجة الوضع المقبل ويبذلون جهوداً لإعادة مسار المصالحة إلى النشاط، وهم يدركون أن فرص النجاح باتت تتلاشى تدريجياً مع اشتداد المعركة الإعلامية وتبادل الاتهامات بين طرفي الانقسام، وحملوا معهم إلى غزة كل هذه المخاوف وتهديدات «إسرائيلية» بالتصعيد ميدانياً، وقد وعدت حماس بالرد على مصر خلال أسبوعين، لكن من المستبعد أن تعود إلى مسار المصالحة، خاصة مع انضمام حركة الجهاد المدعومة إيرانياً إلى صفّها، وينتظر الكثيرون خطاب الرئيس الفلسطيني في الأمم المتحدة، حيث من المتوقع أن يعلن عن خطوات دراماتيكية في مواجهة الانقسام ومواجهة الاحتلال بعد العودة إلى المجلس المركزي الشهر المقبل.
وقد بدأت قيادة جيش الاحتلال تفكر في الخطوات المقبلة خشية تفجّر الوضع في الضفة الغربية مع الضغوط المالية الأمريكية، ما جعل رئيس الأركان الاحتلالي إيزنكوت يحذّر من العنف في الضفة، وهو ما تسرّب من جلسة حكومة نتنياهو الأخيرة، حيث قال إن ثورة السكاكين اندلعت بعد خطاب أبومازن في الأمم المتحدة، ويجب الاستعداد لكل طارئ، لأن الوضع سيكون أسوأ مما هو عليه على تخوم غزة وفي الضفة. فهل يكون مطلع الخريف بداية الغضب الفلسطيني ضد الاحتلال والسياسة الأمريكية؟