لا تجد الأفكار والابتكارات والمشاريع العلمية طريقاً سالكة للتحقيق في العراق؛ حيث لا وجود لجهة تتبنى المواهب، وفق ما أكده كثير من المختصين الذين لفتوا إلى أن عدم الالتفات للموهوبين أدى إلى موت مواهبهم، أو اضطرارهم إلى الهجرة خارج وطنهم، حتى صار العراق خالياً من المواهب والكفاءات العلمية.
وقال مهتمون على هامش مؤتمر منظمة (TEDx) الدولية، أقيم مؤخراً في بغداد، من أجل تسليط الضوء على أصحاب المواهب والمبدعين، ودعم مشاريعهم العلمية، إن فكرة انعقاد هذا المؤتمر “جاءت متأخرة كثيراً؛ بعدما قُتل الإبداع والطموح في بلد هجره العلماء والمبدعون”.
وقال المهندس ثامر العاني، أحد المشاركين في المؤتمر لـ”الخليج أونلاين” إن “العراق يمتلك طاقات شبابية لو استثمرت بشكل مهني لكان وضعه أفضل بكثير، ولكن المحسوبية الحزبية والطائفية أجبرت المبدعين من الشباب على التوجه لإقليم كردستان للعمل أو السفر خارج العراق”.
وأضاف أن ” 3500 عالم عراقي، بينهم أكثر من 500 يحملون شهادات تخصصية من أرقى الجامعات في العالم، عملوا في تطوير مختلف الأسلحة في أعوام سبقت احتلال العراق في 2003، تم تصفية الكثيرين منهم عقب هذا التاريخ”، لافتاً إلى أن “تصفية العراق من العقول هي السبب”.
وبين أن “هؤلاء كانوا من العقول العاملة في مجال الهندسة الكيماوية والفيزياء والاختصاصات والبحوث المتقدمة، فيما هرب آخرون إلى خارج العراق حفاظاً على حياتهم”.
وتابع حديثه قائلاً :”أغلب علماء العراق في مجال الفيزياء النووية والكيمياء تم تصفيتهم، منهم الدكتور غائب الهيتي، والدكتور مجيد حسين المتخصص في الطرد الذري، والعالم مهند الدليمي، والدكتور شاكر الخفاجي مدير عام الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية”.
من جهته، قال عبد العليم الجميلي، طبيب متخصص في جراحة الشرايين لمراسل “الخليج أونلاين”: “غادرت البلاد بسبب التهديدات التي تلقيتها بقتلي مع أسرتي، لذلك تركت عيادتي وعملي وسافرت إلى عمان لأكمل طريقي في مستشفى مختص بأمراض الشرايين”.
وتابع قائلاً: “العراق اليوم يعاني من الافتقار للأطباء المهرة والمتخصصين في مجالات دقيقة؛ بسبب هجرة الكفاءات العراقية إلى الخارج”، مضيفاً أن “هناك إحصائيات تشير إلى ارتفاع حالات الوفيات بسبب أخطاء طبية تحصل في غرفة العمليات، وكل ذلك نتيجة هروب الكفاءات والاعتماد على قليلي الخبرة بتسليمهم مناصب أرفع من مستوياتهم العلمية”.
عمليات التصفية التي تعرضت لها الكفاءات العراقية أدت إلى هجرة جماعية شملت الكثير من العقول والكوادر العراقية المثقفة، التي كان يمكن لها أن تساهم في دعم مشاريع التنمية والتطوير، إن سنحت لها الظروف بذلك، حسب قول الأكاديمي الدكتور مهيمن الراوي.
وأضاف الراوي لـ”الخليج أونلاين” أن “عدد الكفاءات والعقول العراقية في المهجر تجاوز عشرات الآلاف، والكثير منهم يعمل في جامعات ومؤسسات ومستشفيات الدول الغربية، ويساهمون في تطوير عجلتها الصناعية والتقنية”.
وتابع قائلاً: “خسارة كبيرة تلحق البلد من جراء هجرة الكفاءات، لا تقتصر على تحمل كلفة تهيئة الكوادر دون الاستفادة منها فحسب، إنما تكمن أيضاً في حرمانها من كل القيم الجديدة المضافة في مختلف فروع الأنشطة الاقتصادية، التي تضيفها هذه الكوادر في الدول التي تهاجر إليها”.
وأشار إلى الضرر الذي يلحق بأجهزة التعليم من جراء تناقص رصيدها من هذه الكفاءات، الأمر الذي يضعف من قدرتها في تعبئة القوى البشرية اللازمة للتنمية.
من جهته، لفت أستاذ الفيزياء في المواد المتقدمة، البروفيسور نادر عبد الغفور أحمد، في بحثه عن هجرة العقول العراقية، إلى أن عدد أفراد الجالية العراقية في بريطانيا والولايات المتحدة أكثر من نصف مليون شخص.
ووفقاً لافتراض الراوي، إن كانت نسبة 5% من هؤلاء هم من الكفاءات، فإن عدد الكفاءات العراقية في الحقول العلمية المختلفة في بريطانيا والولايات المتحدة يبلغ على أقل تقدير حوالي 25 ألف شخص. وختم بالقول: إنه “طبقاً للسجلات الطبية البريطانية فإن عدد الأطباء العراقيين العاملين في المستشفيات البريطانية يقدر بحوالي 3000 طبيب في جميع الاختصاصات”.