لم يستمر تهديد الرئيس الروسي بوتين لإسرائيل طويلاً، عدة ساعات فقط فإذا بالموقف ينقلب رأساً على عقب، وليذهب ملف الطائرة التي أسقطت إلى الأدراج للحفظ، ولتكن أرواح 15 عسكرياً روسياً ثمناً لما هو أهم في أجندة الرئيس المستقبلية.
هكذا هي السياسة، الأفراد لا قيمة لهم، سواء كانوا عسكريين أو مدنيين، خاصة عندما يكون السياسي صاحب تطلعات توسعية، وقد كان حظ أولئك الذين كانوا على متن الطائرة العسكرية الروسية المحلقة في سماء سوريا عاثراً، فقد اجتمعت الظروف حولهم، وكان نصيبهم صاروخاً غير محدد المصدر، وتوزع دمهم على الأمم، فلا يعرف إن كان الدفاع الجوي السوري هو الذي أصاب الطائرة، أم أن الإسرائيليين قاموا باستهدافها، أم تدخلت قوى أخرى تلعب في الساحة السورية لتخلط أوراق الجميع، لا أحد يعرف، والحقيقة الوحيدة المؤكدة هي أن الطائرة الروسية أسقطت يوم الأول من أمس، وأن سقوطها ترافق مع قيام مقاتلات إسرائيلية بقصف منشأة في اللاذقية، وأن الدفاعات السورية تصدت عشوائياً لكل شيء يحلق في السماء.
سيناريوهات متعددة وضعها المحللون طوال يومي الثلاثاء والأربعاء، وكأنهم يتحدثون عن فيلم هوليوودي، وأكثرها إثارة كان ذلك الذي يقول إن الطائرات الإسرائيلية أسقطت الطائرة خلال هجومها على سوريا، وهذا ما جعل قادة الجيش الروسي ثم الرئيس يهددون إسرائيل بالرد، وذكر أحدهم أن الرد سيكون سريعاً، وعاش العالم ساعات حرجة وهو ينتظر مواجهة روسية إسرائيلية، وفجأة تبدلت الرواية، وقيل في «حبكة» جديدة إن الطائرات الإسرائيلية تسترت خلف الطائرة الروسية فأصابتها الدفاعات السورية، وجاء السيناريو الإسرائيلي لينسف كل شيء، فإسرائيل قصفت منشأة لإيران وحزب نصر الله اللبناني التابع لها في اللاذقية، وطائراتها لم تدخل المجال الجوي السوري، والطائرة الروسية كانت تراقب تحركات التنظيمات في إدلب، وترصد الطائرات دون طيار الموجهة نحو قاعدة «حميميم»، ولا يعقل أن تجتمع مع الطائرات الإسرائيلية في المكان نفسه!
واعتمدت الرواية الإسرائيلية، وهدأ الرئيس الروسي بوتين، وسحب تهديده، بل زاد على ذلك، وبرأ إسرائيل من دم الجنود الروس، عندما نفى تعمدها إسقاط الطائرة، وزال التوتر، ليس لأن ما قالته إسرائيل هو الحقيقة، ولكن لأن روسيا لا تريد أن تفتح جبهة جديدة قد تجر عليها الويلات!