دائما ما نجد من يعترض على محبي آل البيت ويعتبرونهم مبتدعين بسبب إحياء ذكرى عاشوراء ومعترضين على حزن المسلمين بهذا اليوم بحجة إن هذا اليوم هو يوم فرح وسرور ويجب صيامه لأن في هذا اليوم كما يقول المعترضون قد نجى الله تعالى موسى «عليه السلام » من فرعون مستندين إلى الرواية القائلة (( قدم النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» المدينة فرأى اليهود تصوم عاشوراء، فقال ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى، قال : فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه )) ومن هذه الرواية صار عندهم هذا اليوم هو يوم فرح وسرور ولا يجوز إظهار الحزن فيه ومن يقوم بذلك فهو مبتدع !!! وهنا لنا تعليقات عدة وهي :
التعليق الأول : نحن نعلم إن التقويم الهجري بدأ بعد هجرة النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » إلى المدينة وبعدها بدأت تسمية الأشهر الهجرية وعرف بعد ذلك اسم شهر محرم ويوم عاشوراء ومع ذلك نحن والجميع يعلم إنه في زمن موسى «عليه السلام» لم يكن هناك تقويم وكل ما عندنا هو تقويم ما قبل الميلاد وتقويم ميلادي وتقويم هجري، تقويم ما قبل الميلاد وضع في عصور متقدمة لتمييز الأحداث التي وقعت قبل الميلاد، أما التقويم الميلادي فهو معروف وجد بعد ولادة عيسى « عليه السلام » والهجري معروف عندنا، إذن كيف تم التوفيق بين التقويم الهجري والتقويم الميلادي وما قبل الميلادي حتى يحدث أن تصادف ذكرى نجاة موسى « عليه السلام » مع يوم عاشوراء ؟؟!! اللغط والتدليس والتحريف واضح وضوحاً بديهياً في هذا الأمر.
التعليق الثاني : لو سلمنا – جدلاً – بصحة تلك الرواية فهل صوم هذا اليوم يوجب الفرح والسرور ؟ فلم نرَ أي مدلول في هذه الرواية يدل على ذلك فكل ما فيها إن هناك صوم في هذا اليوم الذي يحيي فيه اليهود ذكرى نجاة موسى « عليه السلام » من فرعون..
التعليق الثالث : هل الصوم يبطل الحزن أو يتعارض مع الحزن حتى يصبح أظهار الحزن والبكاء في هذا اليوم بدعة هذا لو صحة الرواية كما أسلفنا ؟ ومن يقول إن الرواية صحيحة لأنها جاءت في البخاري نرد عليه بالقول : ابن تيمية يقول ( البخاري وقع في الغلط الكثير ) إذ يقول ابن تيمية في كتابه مجموع الفتاوى (13/352) :{…وكما أنهم يستشهدون ويعتبرون بحديث الذي فيه سوء حفظ، …..(….)…. وأن قول عثمان لعلي : كنا يومئذ خائفين، مما وقع فيه الغلط، وأن ما وقع في بعض طرق البخاري « أن النار لا تمتلئ حتى ينشئ اللّه لها خلقًا آخر» مما وقع فيه الغلط وهذا كثير …..}، فركزوا على كلمة كثير حيث يؤكد ابن تيمية على وقوع الغلط الكثير في البخاري.
التعليق الرابع : إذا كان أظهار الحزن في هذا اليوم يستلزم أن يكون بدعة فإنه كذلك يستلزم جعل الفرح والسرور بدعة لعدم وجود أي مدلول يشير لوجود الفرح والسرور في ذلك اليوم بحسب الرواية، وهذا يجعل كل من يقوم بالإحتفال والفرح والسرور بهذا اليوم هو مبتدعاً.
التعليق الخامس : هل يعقل بأن يأخذ النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » دينه وسنته من اليهود ؟ إذن أين ذهب القرآن والوحي وأين ذهبت رسالته التي كلف بالتبليغ عنها ؟ هل يأخذ النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » دينه وسنته من أناس كانوا معروفين ببغضهم الشديد للإسلام والمسلمين وللرسول نفسه وهذا بشهادة القرآن الكريم {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }المائدة82 ؟؟؟!! هل هكذا يأتي النبي « صلى الله عليه وآله وسلم » وكأنه لا يعلم ولا يعرف ذلك اليوم الذي نجى فيه موسى « عليه السلام » من فرعون ويسأل ما هذا ؟ وينتظر أن تأتيه الإجابة من الناس ويأمر دون تحقق وإثبات من صحة هذه الممارسات التي يقوم بها اليهود الذين عرف عنهم التحريف في كتبهم ؟؟ هذا طعن واضح بالنبي « صلى الله عليه وآله وسلم ».
التعليق السادس : بعد ما تقدم من تعليقات نأتي على مشروعية البكاء والحزن على الحسين « عليه السلام » وفي المقام الأول نذكر ما قاله المرجع المحقق الصرخي في بحثه «الثورة الحسينية » والذي تناول فيه جانب يثبت فيه مشروعية البكاء على الحسين «عليه السلام » حيث قال :
{{… إنّ النفس مصابة والعين دامعة ، لقد بكى النبي «صلى الله عليه وآله وسلم» علـى عمـه أبي طالب «عليه السلام» وعلى عمه الحمزة وجعفر الطيار وزيد بن الحارث وعبد الله بن رواحة وعلى ولده إبراهيم وعلى أمه آمنة وعلى سعد بن عبادة ، وقد أقر «صلى الله عليـه وآله وسلم» بكاء البكائين ، وكذلك نراه «صلى الله عليـه وآله وسلم» حثّ على البكاء كما حثّ وأمر بالبكاء على جعفر وحمزة «عليهما السلام» وقد تصدى «صلى الله عليـه وآله وسلم» لمنع وزجر من يمنع البكاء…. ح- احمد في مسنده عن أبي هريرة ، يوم مرّت جنازة على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعهـا بـواكٍ، فنهرهنّ عمر ، فقال له رسول الله (صلى الله عليـه وآلـه وسلم) : (دعهن يا عمر فإنّ النفس مصابة والعين دامعة). وهكذا سيرة الأنبياء والمرسلين والـصالحين (صـلوات الله عليهم أجمعين).)…}}.
وهناك الكثير من الموارد الشرعية – القرآنية والروائية – التي تدل على مشروعية البكاء والحزن بصورة عامة فكيف بالحزن والبكاء على سبط النبي الكريم ؟! فإن كان التحريم بسبب تلك الرواية التي تتحدث عن الصوم في يوم عاشوراء فلقد بينا ما فيها من ضعف ووهن خصوصاً في ما يتناول جانب الحزن والبكاء فلم يثبت فيها أي شيء يدل على حرمة الحزن والبكاء ولا أي شيء عن الفرح والسرور هذا بمعزل عما إذا كانت صحيحة أو لا .