لم يكن أحد يتصور أن يأتي يوم يرفع فيه «الإخوان» لواء الدفاع عن نظام الرئيس السابق حسني مبارك ، والحديث عن شعبية يحظى بها نجلاه علاء وجمال، والتغني بالحرية التي كان المصريون عموماً و «الإخوان» خصوصاً يتمتعون بها في عهده! لكن المتابع لتصرفات وسياسات «الإخوان» منذ ثورة الشعب المصري على حكم محمد مرسي يدرك تماماً أن تلك جماعة تغير مواقفها وتحالفاتها وولاءاتها بحسب مصالحها، ويعرف أن المسألة لا علاقة لها بطبيعة حكم مبارك، أو بما جرى خلال ثلاثة عقود حكم فيها الرجل مصر، أو بما إذا كان نجلاه علاء وجمال يتمتعان بالفعل بشعبية وحضور في الشارع المصري أولاً، وإنما الجماعة تستغل واقعة القبض مجدداً على الاثنين، على خلفية اتهامات يواجهانها مع ثلاثة آخرين في قضية عُرفت إعلامياً باسم «التلاعب بالبورصة» تنظر أمام القضاء منذ سنوات ولم يحكم فيها بعد، فالتنظيم دأب في حربه ضد مصر والمصريين على استخدام كل حدث، أو قرار أو إجراء أو واقعة أو حتى كارثة، لإثارة الفوضى في البلاد لعلها تكون مدخلاً لمناخ يسمح لـ «الإخوان» بالعودة مجدداً إلى واجهة الأحداث، وإن لم يكن فعلى الأقل أن يعاني المصريون فوضى وارتباكاً، ويدفعون ثمن إطاحتهم حكم الجماعة!!
قضية علاء وجمال مبارك أمام القضاء الآن، ولا يصح الدخول في تفاصيلها إلى أن يتم الفصل فيها، لكن المؤكد أنه في حال حصول الاثنين على البراءة فإن المنصات الإعلامية الإخوانية والقنوات التي تنفق عليها قطر وتبث من الدوحة ولندن وإسطنبول واللجان الإلكترونية للتنظيم، ستلعب على وتر سطوة مبارك ونجليه وتمتعهما بالنفوذ حتى الآن، أما إذا قضي بإدانتهما فالطبيعي أن تغير تلك المنصات البوصلة لتتجه إلى اللعب على إيقاع خوف السيسي من شعبية علاء وجمال، أو حتى مبارك نفسه!! المهم لدى «الإخوان» تسويق نظرية مفادها أن الحكم في مصر يخشى من أي شيء، أو أي شخص، أو أي جهة، أو أي دولة!! راجع مواقف «الإخوان» تجاه الفريق سامي عنان أثناء أعاصير الربيع العربي، والجهود التي بذلوها بعد توقيفه من أجل استغلال الموضوع لإثارة ضجة أو فوضى من دون أن تستغرب، فالتنظيم نفسه الذي يدين الإرهاب يرتكبه! والجماعة ذاتها التي سعت إلى حكم مصر ونالته، تسعى، على مدى خمس سنوات، إلى هدم البلد على من فيه.
عموماً لن تكون قصة علاء وجمال مبارك الوحيدة التي يسخر المصريون الآن من موقف «الإخوان» منها، فكل مسؤول ترك موقعه في عهد السيسي خصصت له مقالات وبرامج وصفحات إلكترونية وجيش «الإخوان» أنفسهم من أجل الإيحاء بأن السيسي انقلب عليه أو يخشاه أو يخاف منه!! وكأن على الحكم في مصر أن يبقي وزراء ومحافظين ومسؤولين من دون تغييرهم، علماً بأن الباقين في مواقعهم في الحكم لا ينجون من هجوم «الإخوان» وقذائف منصات الجماعة، لأن السيسي يخشى من أن يبعدهم عن مواقعهم!! عليك هنا أن تتخيل أن إقدام قناة تلفزيونية على إلغاء برنامج لمذيع، أو مذيعة، موضوع يحظى باهتمام الإخوان، وأن غياب هذا المذيع أو تلك المذيعة يعني لدى «الإخوان» أن السيسي يتخلص من إعلامه، أو انقلب على مؤيديه!!
يواجه الحكم في مصر حرباً ضروساً ضد الإرهاب، وتمكن من خفض وتيرة العمليات الإرهابية وإجهاض مخطط خطير لتحويل سيناء إلى إمارة إرهابية ولم يلجأ إلى مهادنة الإرهابيين أو محاولة التوصل معهم إلى قواسم مشتركة. وينفذ السيسي برنامجاً طموحاً للإصلاح الاقتصادي، بالتزامن مع مشاريع قومية عملاقة، وإعادة تأسيس بنية أساسية متهالكة، وهيكلة منظومة الدعم من دون أن يخشى ردود الفعل الشعبية، أو يتراجع عن المضي في تطوير الدولة، وأصدر القضاء المصري أحكاماً بالإعدام والمؤبد في حق كبار قادة «الإخوان» وجماعات إرهابية أخرى. تلك حقائق يدركها الناس في مصر، بينما «الإخوان» يحاولون إقناع الناس بأن السيسي يخشى شعبية علاء وجمال!!
من المؤكد أن مبارك يحظى بمحبين من المصريين، وكثيرون يقدرون حرصه على بلده، وتنازله عن السلطة، وتحمله الإجراءات القضائية التي طاولته وأبناءه، إضافة بالطبع إلى دوره التاريخي في سلاح الطيران، لكن كل ذلك لا يهم «الإخوان» أو قطر أو تركيا، أو أي جهة تتآمر على مصر، فالمهم بالنسبة إليهم الصيد في كل مياه عكرة، وتشويه أي شخص أو جهة أو دولة ترى في «الإخوان» جماعة إرهابية وترصد أي واقعة لإرباك المشهد المصري، الذي صار أكثر بياضاً من دون «الإخوان».