تساءلت صحيفة “نيويورك دايلي نيوز” الأمريكية، في مقال نشرته الإثنين على موقعها الإلكتروني، عن السبب الحقيقي وراء احتفاظ تنظيم داعش الإرهابي بقوته حتى يومنا هذا، وذلك على الرغم من الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة وقوات التحالف ضد التنظيم، والتي يتجاوز عددها سبعة آلاف خلال العام الماضي في الأماكن التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا والعراق، كما تنفق حكومة الولايات المتحدة حوالي 10 ملايين دولار يومياً لتمويل جهودها في مكافحة داعش.
تقول الصحيفة، بحسب ما نشره موقع “24” الإماراتي، إنه بعد مرور عام على إعلان الرئيس أوباما أن الولايات المتحدة ستقوم بدحر تنظيم داعش الإرهابي، فإن الجهد المبذول حتى الأن بمثابة “أزمة تكتيكية” على حد وصف رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، الذي انتهت ولايته، الجنرال مارتن ديمبسي.
وعلى الرغم من خسارة تنظيم داعش لحوالي خمس الأراضي التي كان يسيطر عليها، فإن تلك الخسائر كانت في مناطق سكانها الأقوى ليسوا من العرب أو السنة، وعلاوة على ذلك فقد حقق التنظيم الإرهابي مكاسب في مناطق غالبية سكانها من السنة حيث لا يواجه التنظيم أية منافسة جدية.
إحباط وجمود
وأشارت الصحيفة إلى انفجار حالة من الإحباط والجمود خلال جلسة استماع مجلس الشيوخ الأمريكي الأسبوع الماضي عندما اعترف قائد القيادة المركزية الأمريكية الجنرال لويد أوستن أن عدد المعارضة السورية الذين دربتهم الولايات المتحدة، لمحاربة تنظيم داعش، يتراوح ما بين أربعة أو خمسة أشخاص فقط، لاسيما أن هذا العدد هو حصيلة برنامج تدريبي أنفقت عليه الولايات المتحدة حوالي خمسمائة مليون دولار.
وترى الصحيفة أن الهجوم الذي تعرض إليه الجنرال أوستن ليس في محله؛ إذ أن الحرب ليست أزمة، كما أن الولايات المتحدة لم تمول عدداً كافياً من المقاتلين لمحاربة هذا التنظيم الإرهابي، بيد أن الأزمة الحقيقية تكمن في أن تنظيم داعش على استعداد للقيام بما يلزم للفوز على عكس الولايات المتحدة وحلفائها.
وتفسر الصحيفة أنه على سبيل المثال، تحرص الولايات المتحدة وحلفاؤها على تجنب سقوط الضحايا من المدنيين، ومن ثم تمتنع عن ضرب العديد من أهداف تنظيم داعش في المدن، ومما لا يثير للدهشة، أن داعش يستغل ذلك ويعمد إلى تحريك المقاتلين والمعدات إلى المناطق الحضرية. ولولا فرار المدنيين من أي مدينة وبقاء مقاتلي داعش من أجل القتال (كما حدث في كوباني بشمال سوريا) لما كان لقوات التحالف أن تتدخل بالضربات الجوية ضد التنظيم.
براعة الداعشيين
وتضيف الصحيفة أن الداعشيين لديهم براعة فائقة في تجديد صفوفهم، حيث أشارت تقديرات الاستخبارات الأمريكية العام الماضي أن العدد الإجمالي لمقاتلي داعش يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل، وهو العدد نفسه للتنظيم اليوم على الرغم من سقوط ضحايا على مدار عام.
وبحسب الصحيفة، يرجع ذلك إلى سياسة التنظيم في توظيف المسلمين الأجانب لأنهم أفضل كثيراً مقارنة مع أي من منافسيهم، رغم القيود القاسية المفروضة على المجندين الجدد. كما يستخدم داعش المجندين لتقليل اللجوء إلى ميليشيات من العرب السنة، خشية من إمكانية دخولهم في منافسة مع التنظيم.
وتنوه الصحيفة إلى ما قام به التنظيم في سوريا والعراق، حيث دخل داعش في شراكة مع الثوار العرب السنة من أجل أن ينقلب عليهم في وقت لاحق، وطالبهم بحلف يمين الولاء لداعش أو الإعدام، وكان القتل والترويع مصير أي زعيم للعشائر العربية السنية تجرأ وتحدى داعش.
تركيا
وتضيف الصحيفة أنه على الرغم من القواعد المحدودة للحرب على داعش ونجاحات التنظيم في توظيف المقاتلين الجدد وما يرتكبه من فظائع، فإن مثل هذه الأشياء ما كان لها أن تكون عائقاً أمام دحر داعش إذا كانت هزيمة هذا التنظيم من الأولويات القصوى للدول التي يدق التنظيم أجراسه الدموية على حدودها. ولكن الحال ليس كذلك، حيث إن تركيا ترغب في رحيل بشار الأسد والتخلص من الأكراد على طول حدودها، وهي تقف هادئة من دون أن يتحرك لها أي ساكن.
وبحسب الصحيفة، فقد سمحت تركيا لأكثر من عامين بتدفق المتعاطفين مع داعش عبر حدودها لمحاربة كل من الأسد والأكراد، ورغم الشراكة المترددة مع الولايات المتحدة ضد داعش، فإن تركيا لا تزال تنفذ غارات جوية ضد الأكراد بصورة أكبر بكثير من تلك التي تقوم بها ضد داعش. وفي الوقت نفسه يرغب الأكراد أنفسهم بسوريا والعراق في التخلص من داعش لأن في ذلك حفاظ على استقلالية أوطانهم العرقية.
العراق وسوريا
وتلفت الصحيفة إلى أن الحكومة التي يهمين عليها الشيعة في بغداد تضع تعزيزات أمنية للدفاع عن المناطق ذات الأغلبية الشيعية في العراق بدلاً من تمكين العرب السنة للتخلص من داعش بأنفسهم، وباتت الحكومة العراقية على استعداد لتسليح بعض السنة ولكن ليس بشكل كبير ولا بأعداد كبيرة؛ وذلك خشية من استخدام تلك الأسلحة ضد بغداد أو تقع في أيدي داعش.
ولا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة إلى بشار الأسد، وبرأي الصحيفة أنه على الرغم من تصريحاته فإن نظام الأسد يحارب داعش فقط عندما يهدد مناطق محورية لبقاء النظام، وحتى إذا أراد التغلب على داعش فإن قواته ضعيفة وثمة حاجة إليها في مناطق أخرى.
الصحوة
وتختتم الصحيفة أن هناك العديد من الاقتراحات لتحسين محاربة هذا التنظيم الإرهابي، ومن بينها تطهير المنطقة الواقعة في شمال معقل داعش في مدينة الرقة، وتمكين قبائل العرب السنة للسيطرة عليها، إضافة إلى بعض الدعوات لاستخدام قوات خاصة لمساعدة المعارضة المعتدلة في إقامة مناطق آمنة تخضع للحراسة الجوية لقوات التحالف.
وتؤكد الصحيفة على النصيحة التي يشترك فيها الجميع تتمثل في مساعدة العرب السنة في شن حربهم ضد داعش لأنه لا يوجد أي طرف آخر في الجوار لديه الرغبة أو الإمكانية للقيام بذلك، وتقول: “نحتاج إلى نسخة أخرى من خطة الصحوة التي قامت بها الولايات المتحدة بنجاح في العراق خلال العقد الماضي، بيد أن الاختلاف الآن يتمثل في عدم وجود قوة أمريكية كبيرة على الأرض لكي يتم تنفيذها، وللأسف لا يعتقد الكثيرون أن مثل وجود مثل هذه القوة سيكون مجدياً من الناحية السياسية”.