يستغرب المرء جدا من اتهام الكتاب والمحللين في الغرب لنا نحن العرب بأننا أكثر شعوب العالم تعلقا بنظريات المؤامرة على نحو ما ذكرت أمس. ويستغرب المرء أكثر حين يجد كتابا عرب يرددون نفس ما يقوله الغربيون تحت ذريعة الموضوعية والعقلانية.
نستغرب هذا لأسباب كثيرة جدا.
أول هذه الأسباب أنهم في الغرب أكثر منا بكثير جدا تعلقا بنظريات المؤامرة وترديدا لها. في الحقيقة إن معلوماتنا عن نظريات المؤامرة استقيناها أصلا من الكتابات الغربية ومن التفكير الغربي.
أستطيع أن أضرب عشرات الأمثلة عن نظريات المؤامرة التي ترددت في أمريكا والغرب عموما ومدى انتشارها الكبير. يكفي هنا فقط أن نشير إلى هذه النظريات التي ارتبطت بأحداث 11 سبتمبر في أمريكا التي تحل ذكراها هذه الأيام. عشرات، بل مئات الكتب والتقارير نشرت في أمريكا عبر السنوات الماضية تقدم رؤى للأحداث تفند فيها الرواية الرسمية لها، ويعتبرها الكثيرون تندرج في إطار ما يسمى بنظريات المؤامرة.
لماذا إذن نحن العرب بالذات متهمون بالتعلق بنظريات المؤامرة؟.
القضية الأهم هنا هي أن ما يعتبرون أنها نظريات مؤامرة نعتقد بها نحن العرب، ونتحدث عنها في كتاباتنا وتحليلاتنا، هي في الحقيقة ليست نظريات. هي مؤامرات فعلا موثقة ومعروفة للجميع.
نستطيع أن نضرب أمثلة كثيرة لذلك.
خذ مثلا القضية الكبرى التي يتم بسببها اتهامنا بتبني نظريات المؤامرة. نعني قضية التآمر على تدمير الدول العربية وتقسيمها إلى دويلات.
حين نتحدث عن التآمر على الأمة العربية على هذا النحو، فنحن نتحدث عن استراتيجيات ومخططات ووثائق بهذا الخصوص تمت صياغتها منذ عقود طويلة ويجري تنفيذها، ولا نتحدث عن نظريات خيالية أو أمور نتصورها. نتحدث هنا عن مخططات وضعتها الدوائر الاستراتيجية الإسرائيلية في البداية منذ عقود طويلة، وهي منشورة. ثم تبنتها دوائر غربية وطورتها بعد ذلك، وهي أيضا موثقة في وثائق منشورة. ونتحدث عن تنفيذ عملي لمخططات التدمير والتقسيم بدأ خصوصا مع غزو واحتلال العراق، وتواصل بشكل أوسع نطاقا وأكثر عنفا مع ما أسمي «الربيع العربي». نتحدث عن واقع تعيشه دولنا العربية.
هذا على النطاق العربي العام.
مثال آخر يتعلق بمملكة البحرين.
حين نقول إن البحرين تعرضت لمؤامرة كبرى لإسقاط نظام الحكم الوطني وتدمير الدولة وإغراقها في الفوضى الطائفية، هل كنا نتحدث عن نظرية تآمرية خيالية نتصورها؟. لا. نحن كنا نتحدث عن تآمر موثق وعلني بين أطراف ثلاثة للمؤامرة هي القوى الطائفية في الداخل، والنظام الإيراني، وإدارة أمريكا في عهد أوباما. كنا نتحدث عن مخطط تآمري حاولوا تنفيذه وتابعنا فصوله هنا في البحرين يوما بيوم إلى أن قضت البحرين على المؤامرة.
هم في الغرب يقولون إننا حين نتحدث عن مؤامرات مثل هذه، فإننا نداري عجزنا ونتهرب من تحمل المسؤولية بإلقاء المسؤولية على القوى والدول والجهات الأجنبية.
هذا ليس صحيحا أبدا. نحن نعرف جيدا سلبياتنا وأوجه قصورنا، ونعرف أنه لولا هذه السلبيات وأوجه القصور ما كان لأي مؤامرة أجنبية أن تنجح أصلا، وندعو باستمرار حكامنا ومثقفينا وقوى المجتمع إلى إصلاح أوضاعنا. لكن هذه شيء، وكون أننا نتعرض فعلا لمؤامرات أجنبية شيء آخر.
لماذا إذن يتهموننا في الغرب بالتعلق بنظريات المؤامرة التي هي غير موجودة في رأيهم؟
الجواب ببساطة شديدة، لأنهم يريدون لنا أن نعتقد أننا نستحق كل ما يجري لنال ولدولنا العربية.. يريدون لنا أن نعتقد أن كل ما يجري لدولنا من تدمير وتخريب ومحاولات تقسيم وتمزيق هو تطور طبيعي بالنظر إلى أحوالنا العربية، ولا علاقة للآخرين بهذا.. يريدون لنا أن نكف عن فضح الاستراتيجيات والمخططات الأجنبية.
هذا هو السبب باختصار شديد.