نون والقلم

السيد زهره يكتب: «إن شاء الله» ونظريات المؤامرة

الحديث عن «نظريات المؤامرة» لا يتوقف في العالم كله كما هو معروف. هذا بغض النظر عن الاختلاف حول تعريف ما يمكن أن نطلق عليه نظرية مؤامرة أصلا.

لكن الأمر الغريب أن كثيرا من المحللين والكتاب في الغرب يعطون اهتماما كبيرا جدا للحديث عن الدول العربية بالذات وانتشار نظريات المؤامرة فيها، ويسهبون في تحليل ذلك وتقديم تفسيرات له من وجهة نظرهم بالطبع.

أقول هذا بمناسبة مقال مطول منشور قبل أيام بعنوان «عن العرب ونظريات المؤامرة». كاتب المقال محلل أمريكي اسمه بريان فرايدنبورج يعرف نفسه على أنه مختص في الشؤون السياسية والإستراتيجية.

المقال سخيف جدا في الحقيقة، لكن من المهم بالطبع أن نعرف كيف يفكرون وماذا يكتبون عنا.

يقول الكاتب إنه عاش في المنطقة العربية وكان يتعجب جدا من انتشار نظريات المؤامرة على نطاق واسع جدا، بحيث إن الكل مستعدون لقبولها والتسليم بها، سواء كانوا متعلمين أم لا، وفقراء أم أغنياء، ورجالا أو نساء، وليبراليين أو محافظين.

ويقدم بعد ذلك تفسيره لأسباب انتشار نظريات المؤامرة في الدول العربية على هذا النحو.

في مقدمة هذه الأسباب في رأيه أن الشعوب العربية عاشت لعقود طويلة جدا في ظل دول مركزية قمعية حرمت أغلب الناس من القدرة على التعلم والتفكير والتعبير عن أنفسهم بحرية.

سبب رئيسي آخر في رأيه يتمثل في غياب التفكير النقدي في مناهج الدراسة في المدارس والجامعات في الدول العربية. ونتيجة هذا، فإن أعدادا قليلة من الخريجين لديهم القدرة على التفكير النقدي المبدع، وعلى تحدي العقليات السائدة والثقافة العربية، والإسلام نفسه.

يرى هذا الكاتب أيضا أن غياب الحريات السياسية، والحياة السياسية الخصبة في الدول العربية يجعل الناس مستعدين لقبول نظريات المؤامرة وأفكارها التبسيطية.

ثم يتفلسف الكاتب ويظن أنه أتى بنظرية مبتكرة تفسر تعلق العرب بنظريات المؤامرة، وهي تعلق العرب بتعبير «إن شاء الله».

يقول الكاتب إنه لا يعرف ماذا كان العرب في الماضي يقصدون بالضبط حين يرددون تعبير «إن شاء الله»، لكن من الواضح أنها تعني في الوقت الحاضر بالنسبة إلى العربي أن كل شيء يعتمد على الله وحده، ولست مسؤولا شخصيا عن أي شيء، فالظروف والنتائج خارجة عن إرادتي ولا يمكن اعتباري مسؤولا.

ويقول الكاتب إن العرب لديهم إحساس بالعجز، ومن الطبيعي أن يسعوا لتحميل الآخرين مسؤولية عجزهم، ويتصورون أن تمزق دولهم وتشتتها ما هو إلا نتاج مؤامرات خارجية.

كما نرى، هذه التفسيرات التي يقدمها الكاتب تعبر عن نظرة عنصرية وجاهلة.

هو يتهم العرب بالتخلف وغياب التفكير النقدي مقارنة بالغرب مثلا، لكنه لا يقول لنا ولماذا إذن تنتشر نظريات المؤامرة في الغرب.

وهو يتحدث كما لو كان معيار الرشد والعقلانية والابتعاد عن نظريات المؤامرة هو أن نتخلى عن ثقافتنا العربية ونتحدى حتى الإسلام.

وهو لا يعلم، أو يعلم ويتعمد التضليل أننا حين نردد «إن شاء الله» لا يخطر ببالنا هذه المعاني الغريبة التي ساقها. نعم نحن نؤمن بالله سبحانه وتعالى وبقدره، لكن لا يخطر ببالنا أبدا أن هذا معناه أننا عاجزون أو لا نتحمل أي مسؤولية عن أفعالنا وما يجري حولنا.

حقيقة الأمر أن هذا الكاتب وغيره كثيرون من الكتاب في الغرب حين يشغلون أنفسهم بقضية العرب ونظريات المؤامرة ويسوقون مثل هذه الأفكار لا يفعلون هذا عبثا، أو لمجرد التحليل فقط.

وهذا حديث آخر بإذن الله.

نقلا عن صحيفة اخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى