منذ إنشاء ما يسمى بدولة «إسرائيل»، وسياساتها الخارجية تتناغم مع سياسات الولايات المتحدة الأمريكية أو العكس، وهناك رؤية واستراتيجية واحدة تجاه الشرق الأوسط، وخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، إضافة إلى تنسيق شامل في القضايا العسكرية والدفاعية، وتسكت الولايات المتحدة عن الترسانة النووية «الإسرائيلية»، وتبرر أهميتها في الدفاع عن وجودها وأمنها وحياتها ضد الذين يهددون مصيرها، وتغض الطرف عن المذابح التي ارتكبتها بحق الفلسطينيين والمصريين والسوريين واللبنانيين في حروبها معهم، وقد قالها المفكر الأمريكي نعومي تشومسكي، إن الطرفين يشتركان في فلسفة الإبادة، وقيام كيان على حساب شعوب أخرى، فالولايات المتحدة قامت على أنقاض الهنود الحمر، ودويلة «إسرائيل» قامت على حساب الفلسطينيين، أي التاريخ متشابه والأهداف واحدة، ولهذا تتفهم الولايات المتحدة عنجهية الكيان وجرائمه ضد الفلسطينيين والعرب، ولا تحاول محاسبته ولا إدانته، بل إنها استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد كل القرارات التي صوت عليها مجلس الأمن أو الأمم المتحدة، وتحرص دائما أن تتفوق دويلة الكيان على جيرانها.
السياسيون «الإسرائيليون» ومنذ فترة يطالبون بإغلاق وكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين (الأونروا)، لأنها تذكرهم دائما بوجود قضية لاجئين لهم الحق في العودة إلى ديارهم التي هجرتهم العصابات الإجرامية الصهيونية منها، من خلال ارتكاب مذابح في عشرات القرى والمدن الفلسطينية، وهو حق كفله مجلس الأمن من خلال القرار 194، وهو واضح وصريح، وكانت الولايات المتحدة تدفع مئات الملايين من الدولارات للأونروا للإبقاء على الفلسطينيين خارج فلسطين، في الشتات، في مخيمات تفتقر لأدنى معايير الحياة السليمة والصحية، ويبدو أنه آن الأوان للتخلص من قضية اللاجئين، فاستجاب البيت الأبيض لطلبات الكيان، وقطع ترامب مساهمته في تمويل المنظمة الدولية، ويتفلسف في تعريف اللاجئ الفلسطيني، هل هو الذي غادر فلسطين في العام 1948 أم أن صفة اللاجئ تنطبق على أبنائه وأحفاده الذين ولدوا في الشتات، وتوصلت العبقرية الأمريكية المدعومة صهيونيا، بأن اللاجئ هو الذي خرج من فلسطين وليس أبناؤه وأحفاده، وبالتالي فإن عدد اللاجئين لا يزيد على 30 ألفا، جميعهم مسنون وعاجزون، وبالتالي يسقط حق العودة عن خمسة ملايين فلسطيني في الشتات، وتطالب الدول المضيفة (لبنان وسوريا والعراق ومصر والأردن والخليج العربي) بتوطينهم ومنحهم الجنسية. وهذا البند يحتل الصدارة في «صفقة القرن»، وترصد له مئات المليارات على شكل منح للدول ومشاريع تقام لتحقيق الازدهار للاجئين، للأسف، يتم كل هذا في ظل صمت عربي مطبق.
ترامب ومعاونوه وكل من يؤيد هذا التصور لا يعلمون أن الوطن غير قابل للاستبدال، وقضية اللاجئ ليست في الازدهار الاقتصادي والراحة المادية، وليست في جواز سفر، قضية اللاجئ ببساطة شديدة هي الوطن، وطالما هو لاجئ فإنه في حاجة للعودة إلى وطنه، وليس إلى أي وطن، ففلسطين، على الرغم من مرور سبعين عاما على ضياعها من أهلها واحتلالها من قبل الكيان «الإسرائيلي» والاستعمار العالمي، لا تزال وطن الفلسطيني الأول والوحيد، وحلمه الأزلي هو العودة إليها وليس إلى أي بقعة في العالم، لا سيناء ولا العراق ولا أي مكان آخر، لأن فلسطين أكثر من وطن، هي مرتبطة بالرسالات السماوية التي انطلقت منها وازدهرت فيها، وبالتالي فإنها مقدسة بالنسبة للفلسطيني، ويرى الله في كل حجر وشجر وفي كل جامع وكنيسة ومعبد، يرى فيها التاريخ المقدس، ويرى فيها الذاكرة الجمعية والفردية، ومن دونها لا يمكن أن يشعر الفلسطيني بالانتماء ولا بالوطنية.
القضية المطروحة حاليا أخطر من تمويل وكالة الأونروا، وتقترب من محاولة تصفية حق العودة، وشطب فلسطين من قلوب وذاكرة الفلسطينيين، ورسم خيبة الأمل على وجه كل فلسطيني بعد انتظار سبعين عاما في الشتات، أي تصفية القضية الفلسطينية والاستسلام للأمر الواقع بوجود دولة اسمها «إسرائيل»، دولة قال قانون القومية الجديد إنها لليهود فقط، واللغة العربية لغة ثانوية، والعربي وإن حمل الجنسية الإسرائيلية هو مواطن من الدرجة الثالثة.
الولايات المتحدة تستعد للإعلان عن صفقة القرن بالتعاون مع حلفائها في المنطقة، وتطرح تصورًا كأنها ترسم حدودًا لمستوطنات ومحميات الهنود الحمر، لكن النظرية شيء والتطبيق شيء آخر، والخوف كل الخوف من أن يتعرض الفلسطينيون إلى مذابح جديدة تبيد نصفهم، وتهجر نصفهم، وهذا ليس غريبًا على فلسفة الإبادة الأمريكية. فهل من متعظ!