لم نكن متفائلين بمباحثات السلام اليمنية في جنيف، لعلمنا أن جماعة الحوثي لن تقدم شيئاً، وقد تأكد ذلك وثبت فعلاً أنهم يلعبون على الوقت حسب تعليمات سادتهم في طهران، فقد كانت الضربات الأخيرة التي تلقوها موجعة، لهذا ذهبوا إلى المبعوث الدولي، مجددين مسألة المفاوضات مع الحكومة الشرعية، ولم يصدق «غريفيث» ما سمع، فعمل بكل ما يملك من علاقات ودعم لتسويق ما أسماها بالخطوة الإيجابية، ظناً منه أن اسمه سيحفر في سجلات الأبطال، وقد ينال جوائز من تلك التي تمنح لصنّاع السلام، مع استبعادنا النوايا الخبيثة!
هناك مباحثات ومفاوضات سابقة فشلت، منها العلني ومنها السري، ولم ينتفع منها غير الحوثي، فالصواريخ والأسلحة الحديثة وصلته خلال فترة الترقب التي استمرت عدة أشهر أثناء مفاوضات الكويت، والملاحظ أن هؤلاء يتبعون السيناريو السابق نفسه، الذي يبدأ باتفاق على موعد يخلفونه، مرة بسبب عدم حصولهم على تصريح بالمغادرة، ومرة أخرى بعدم حصولهم على ضمانة دولية بالعودة إلى صنعاء، وبعدها ستحدد مواعيد جديدة، ثم تتبع بين وصول وتأخير حتى يتجمعوا في جنيف، وهنا يبدأ «ماراثون» المفاوضات غير المباشرة، وهي مرحلة هم يبحثون عنها، والهدف إطالة زمن المفاوضات ليلتقط أتباعهم أنفاسهم في خطوط المواجهة، ولينظموا صفوفهم، ويتزودوا بالسلاح، ولهذا لم يوجدوا في جنيف يوم الخميس، فإذا غضب «غريفيث» واستخدم نبرة حادة معهم سيذهب بعض الأعضاء ويتخلف آخرون أو يطلبون مهلة.
إنها لعبة تريد منها إيران أن تبقي على ورقة اليمن في يدها، فهي مقبلة على أيام سوداء بعد بدء تطبيق العقوبات الأميركية والدولية في شهر نوفمبر، ومنها، من تلك الورقة ستمارس ابتزازها، خصوصاً لدول الجوار ومن يستخدمون باب المندب ممراً لنفطهم وتجارتهم، ولن تسمح إيران للحوثيين بعقد اتفاق سلام مع حكومتهم الشرعية، تماماً كما فعلت في سوريا، فقد أفشلت اتفاقات جنيف، ومنعت النظام من الجلوس مع المعارضة، وأقحمت نفسها في الشأن السوري، وكأنها تملك الوصاية عليه، وكسبت وجوداً عسكرياً وسياسياً، ومزقت التركيبة السكانية لتخلق واقعاً يطيل بقاءها هناك.
لا نريد لليمن أن يكون نسخة من سوريا، وأعتقد أن الحكومة الشرعية اليمنية تعي ذلك، ودول التحالف العربي ترصد الألاعيب الإيرانية، ومع ذلك وافقت على التهدئة، وأجّلت تحرير الحديدة، ومنحت الوسيط الدولي الفرصة، لتثبت للجميع أن الذهاب إلى اليمن لم يكن للحرب، بل لإعادة الشرعية وبناء يمن جديد مستقر وآمن، وهي فرصة أخيرة يستطيع «غريفيث» أن يستغلها لإنجاح مهمته في تطبيق قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216، دون مماطلة أو تحيز.