ثلاث صور قاتمة تأتينا من ثلاث مدن عربية، الأولى في الغرب، والثانية في الشمال، والأخيرة في الشرق، نار تتبع النار، وموت يسبق الموت، وعصابات تتشارك في التدمير وإن لبست زياً رسمياً.
طرابلس الغرب تئن تحت وطأة تنظيمات تتصارع على المصالح مضحية بما تبقى من الوطن، ذلك الذي كان آمناً ذات يوم تحت سطوة من كان يسمى بالديكتاتور، حرب شوارع تهدف إلى إضافة بضعة أمتار إلى أملاك زعماء صنعتهم الصدفة، ومولتهم دول الغدر بالمال وبقايا داعش.
والبصرة، درة العراق، وعروس الخليج قبل أن يجور عليها الزمان، الأرض التي تمول وطناً ويسرق خيراتها الفاسدون، طفح كيلُها، وما عاد الصمت مجدياً كما قال أهلها، يعاقبها قادة كل الأحزاب الطائفية لأنها ليست خاضعة لأحد، وتعاقبها إيران لأنها ترفض الارتماء في أحضانها، تستنزف ثرواتها، وتصرف على غيرها ويقطع ماؤها، ويسمم أطفالها، وتتجاذبها الأيدي لتركعها، فخرج الجياع والعطشى ليقولوا كلمتهم حتى لو احترق ما بقي من مدينتهم.
وإدلب، وما أدراك ما إدلب! فقد تراهن الجميع على ذبحها، وكل طرف منهم لديه حجة، والمقتول في كل الأحوال واحد، ولن ينتصر أحد، في نهاية المطاف سيكون الإنسان البسيط هو الضحية، ذلك الذي لا يعرف شيئاً عن فكر الإخوان الذي يعتنقه تنظيم النصرة، ولا يعرف ماذا يريد أردوغان من أرضه ومدينته وريفه، ولا يعرف شيئاً عن بوتين وطائراته التي تقصفه دون تمييز أو رحمة، ولا دخل له في بقاء الأسد أو زواله، هذا الإنسان هو الذي يزايد عليه الجميع، يشترون ويبيعون فيه كأنه سلعة.
في البصرة إيران الأجنبية والذين باعوا ضمائرهم، وفي طرابلس الغرب نظام الغدر القطري وتنظيم الإخوان المسلمين وفتاوى القرضاوي، وفي إدلب بوتين الباحث عن إرث قيصر، وأردوغان الذي نصب نفسه خليفة للإخوان ومال قطر القذر، هؤلاء اجتمعوا على أمر واحد، وهو إرهاب العرب عبر مزيد من الدمار والقتل، وإشاعة حالة الإحباط، وهم، أي إيران وأتباعها وقطر وأموالها وأردوغان والإخوان وبوتين، كلهم متفقون، حتى الذين يهددون من بعيد مشاركون في هذا الرهان، ويزايدون.
هي صور قاتمة، لا شك في ذلك، ولكنها لن تكسر الأمة، فالنور قد يشع من تحت الرماد، وأملنا لن يخيب أبداً، فهذه أمتنا التي نعرفها جيداً، لا تموت ولا تركع، وإن سقطت نهضت ونفضت ما علق بها لتسطر تاريخاً جديداً.