عندما أطلق الثائر المصري سعد زغلول مقولته الشهيرة « الدين لله والوطن للجميع» أثناء قيام الثورة المصرية ضد الإحتلال الإنجليزي عام 1919 والتي ساهمت في توحيد الشعب المصري ذو المكونات العديدة من أقباط ومسيح ومسلمين بمختلف مذاهبهم لم تكن تلك المقولة أو الشعار مجردة من المعاني الدينية بل لها أصول دينية وهي نابعة من سيرة النبي الكريم محمد « صلى الله عليه وآله وسلم » وهذا ما سنبينه لاحقاً في هذه المقالة .
فنحن كعراقيين وللأسف الشديد ابتعدنا عن المنهج النبوي الشريف ورحنا نفضل الدين أو المذهب أو الطائفة على الوطن، فمن أجل مصلحة الطائفة أو المذهب أو الحزب نخون الوطن الذي نعيش على أرضه ونشرب من مائه ونسكن تحت سمائه ونأكل من خيراته !! ويا ليت الخيانة تكون فعلاً من أجل الدين والمذهب بل الدين والمذهب أصبحا مجرد شعارات ترفع لتغرير الناس وخداعهم، لكن على العموم وفي كل الأحوال هذا الفعل ليس من الدين ولا يمت له بأي صلة، فنحن كمسلمون من الواجب الشرعي علينا أن نلتزم بسيرة وسنة النبي محمد « صلى الله عليه وآله وسلم » ومن سنته « صلى الله عليه وآله وسلم » عندما هاجر إلى المدينة المنورة أسس فيها دولة لم تكن خاصة بالمسلمين بل شملت المسلمين واليهود والمسيح ووضع لها دستور مدني أسمه « الصحيفة » فيه الحقوق والواجبات على كل فرد في المدينة من مسلم ويهودي ومسيحي ولم يجعل فرق بينهم في تلك الحقوق والواجبات، ولم يطرد أو يهمش أي جهة مادامت ملتزمة بقوانين تلك الدولة، نعم حارب اليهود لكن بعدما أقدموا على خيانة تلك الدولة وليس لأنهم يهود وحارب حتى المسلمين ممن خانوا تلك الدولة.
فقدم النبي الكريم « صلى الله عليه وآله وسلم » الوطن والدولة على أي شيء حتى على الدين وجعل الوطن خطاً أحمراً لا يمكن المساس به حتى من ذوي القربى أو المسلمين، فهل ياترى نحن اليوم كعراقيين وكمسلمين تأسينا بهذه السنة النبوية الشريفة ؟ أم رحنا نخرب وندمر الوطن من أجل مصلحة مذهبية أو طائفية جوفاء من جهة ومن جهة أخرى من أجل أن نضر بمذهب آخر أو بديانة أو قومية أخرى وهذه هي خيانة للوطن بحد ذاتها وهذه الخيانة أوجد عراق اليوم الذي أصبح في مقدمة الدول المتخلفة في كل شيء، لذلك نقول ما قاله المحقق الصرخي في الرسالة الإستفتائية الرابعة عشرة {{… ليكن محورنا وقطبنا الوحدوي هو الحق والدين والمذهب والعراق الحبيب وشعبه العزيز وأمنه المطلوب المرغوب فيه، وبعد أن نفهم ذلك ونعتقد به ونتمسك به ونثبت عليه فليكن شعارنا ((إن اختلاف الرأي لا يفسد في الودّ قضية )) فلا نسمح لأنفسنا بأن تخون نفسها ودينها وعراقها وشعبها وأمن بلادها…}}…
نعم نتمسك بديننا ومذهبنا لكن ليس على حساب وطننا لأن ذلك يعد خيانة للوطن وخيانة الوطن هي خيانة للدين وخيانة للمذهب وهذا بحد ذاته خيانة لأنفسنا وشعبنا وأبناء جلدتنا لأننا سوف نمزق هذا الوطن الذي يجمعنا وبالتالي سوف نؤثر سلباً على حياتنا ونؤثر على ديننا ونقدمه بصورة مشوهة للعالم، فمهما كان الإختلاف في الرأي والعقيدة والدين فلا نجعله سبباً لخيانة الوطن وتدميره، فالدين لله والوطن للجميع.