من الواضح جدا أن سياسة الإدارة الأمريكية تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي تسعى إلى تحقيق هدف جوهري واحد، هو بالأحرى وهم لا يمكن ان يتحقق. الهدف هو محاولة تركيع الشعب الفلسطيني.
تركيع الشعب الفلسطيني له معنى محدد بالنسبة إليهم هو إجباره على قبول مخطط تصفية القضية الفلسطينية نهائيا، وهو المخطط الذي أصبح يحمل اسم «صفقة القرن».
على الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تعلن رسميا بعد تفاصيل هذه الصفقة التي سعت إلى تسويقها لدى الدول العربية في الفترة الماضية، فإن أبعادها أصبحت معروفة بحسب كل المصادر والتحليلات التي تناولت القضية. الصفقة تتلخص باختصار في انه، لا قيام لدولة فلسطينية، والقدس المحتلة لن تكون عاصمة لأي كيان فلسطيني، ولا عودة للاجئين.. وهكذا.
هذا هو ما تسعى أمريكا إلى إجبار الفلسطينيين على قبوله، وهي في سبيل ذلك تلجأ إلى كل سبل الضغط والإكراه.
قبل هذا قطعت الإدارة الأمريكية المساعدات عن السلطة الفلسطينية، لكنها مؤخرا أقدمت على خطوة خطيرة مفزعة بقطع كل الأموال التي تقدمها إلى وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين «الأونروا». ولم تكتف بهذا بل يشن مسؤولون أمريكيون هجوما غريبا عنيفا على الوكالة وعملها. هذه الوكالة التي تعتبر السند الوحيد لأكثر من خمسة ملايين لاجئ فلسطيني.
المسؤولون الأمريكيون في معرض تبريرهم لهذا القرار قدموا حججا غريبة وسخيفة من قبيل القول ان عمل الوكالة تشوبه عيوب لا يمكن إصلاحها، أو القول إن الوكالة تبالغ في إعداد اللاجئين الفلسطينيين، أو القول إن أمريكا تدفع الأموال للفلسطينيين لكنها لا تلقى الاحترام الواجب منهم.. وهكذا.
الكل في العالم يعلم أن هذه الحجج هي لإخفاء الهدف الحقيقي من وراء القرار الأمريكي.
والهدف يتمثل في أمرين:
الأول، أن القرار يأتي كما ذكرنا في اطار سياسة ممارسة اقصى ضغوط ممكنة على الشعب الفلسطيني على أمل يقود هذا إلى دفعه لقبول مخطط تصفية القضية.
الثاني، محاولة شطب قضية اللاجئين الفلسطينيين من أي مفاوضات تتعلق بالقضية الفلسطينية.
الذي تريده أمريكا هنا تحديدا هو محاولة إلغاء حق العودة للاجئين من أي أجندة مفاوضات في أي إطار.
الذي تفعله أمريكا على هذا النحو هو قبل كل شيء انتهاك، بل احتقار ما بعده احتقار للقوانين والمواثيق الدولية التي تمثل إجماع المجتمع الدولي حول القضية الفلسطينية.
حقوق الشعب الفلسطيني، وأولها حق العودة، تحميها عشرات القرارات والمواثيق الدولية التي لا تستطيع أي دولة إلغاءها أو التنكر لها هكذا ببساطة.
صحيح أن هذه القرارات والمواثيق تطبيقها معطل والمجتمع الدولي عاجز عن تنفيذها، لكن هذا لا يقلل في شيء من قوتها الإلزامية بالنسبة إلى كل دول العالم.
المهم أن تفكير وسياسة المسئولين الأمريكيين وما يتخذونه من خطوات على هذا النحو فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية يعكس جهلا فاضحا بالتاريخ، وجهلا حتى بحدود ما يمكن أن تفعله أمريكا وما هي قادرة عليه فعلا.
لو قرأوا التاريخ لأدركوا أن هذا الشعب الفلسطيني الجريح المعذب الذي قدم مئات الشهداء، وخاض الانتفاضة تلو الانتفاضة ولم يكف يوما عن الكفاح في كل الظروف والأحوال، لا يمكن أن يتخلى عن حق واحد من حقوقه مهما كانت الضغوط. حتى القيادة الفلسطينية أيا كانت لا تستطيع أن تجبر الشعب على التخلي عن أي حق.
أمريكا تريد تركيع شعب فلسطين وتطالبه بالاستسلام. هذا وهم، ومن رابع المستحيلات أن يتحقق.