تطفو على السطح في الآونة الأخيرة علامات تذمّر ورفض للإجراءات الإصلاحية التي أعلنها في وقت مبكر من الشهر الماضي، رئيس الوزراء، حيدر العبادي، تسربها وسائل إعلام بشق الأنفس؛ لكون الرافضين لا يملكون الشجاعة لإعلانها بعد أن حظيت بترحيب استثنائي من مختلف أطياف الشعب العراقي، ودعمتها -للمرة الأولى- مظاهرات مليونية، والمرجعية، وإجماع مجلس النواب، ونالت قبول المكونين السني والكردي.
معطيات الواقع تؤكد أنه لم يكن ما أبداه سياسيون عراقيون مجرد تذمر، أو علامة رفض، إذ وصل الأمر إلى التحضير لانقلاب، وسعي حثيث يأخذ طابع المؤامرات لـ”خلع” العبادي، صاحب دعوى “الإصلاحات”.
والسيناريوهات المسربة للإطاحة به ترجح أن يتم ذلك عن طريق التنحية السياسية، ولهذا الأمر محاذيره وإشكالاته التي تتعلق بالتوازنات السياسية داخل البيت الشيعي، أو بواسطة انقلاب عسكري تدعمه القوة الإقليمية الأكثر تاثيراً في العراق، إيران، وسيكون دعمها حاسماً في تقبل الأمر وتسويقه داخلياً، بحسب مراقبين.
– التنحية السياسية.. التحالف الوطني على خط النار
لم يتخلف “التحالف الوطني” الذي يضم أبرز التيارات الشيعية، عن محاولات إزالة العبادي، رغم التصريحات العلنية التي تبدو أحياناً نارية وحاسمة في دعمها للإجراءات الإصلاحية التي أعلنها.
وتنقل “الشرق الأوسط” عن مصادر مطلعة، أن “كلاماً يدور خلف كواليس التحالف الوطني بشأن تغيير العبادي، بل إن هناك بعض الجهات المرتبطة بالفصائل المسلحة الأقرب إلى إيران تتحدث عن أن ذلك بات يقع في باب التكليف الشرعي، في حين لا تزال مرجعية النجف ممثلة بالمرجع الشيعي الأعلى آية الله السيستاني تدعم العبادي بشكل كبير”.
وتذكر تلك المصادر أن “هناك أكثر من عائق مثلما يتداول قادة التحالف الوطني يقف خلف هذه الرغبة؛ وهي أن كلاً من المجلس الأعلى الإسلامي بزعامة عمار الحكيم والتيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر يقولان إنه في حال تم ذلك فلن يأتي بعد الآن أحد من حزب الدعوة لرئاسة الوزراء، والعائق الثاني صعوبة الاتفاق على بديل، بالإضافة إلى عدم حسم الموقفين السني والكردي اللذين يميلان إلى منح العبادي فرصة لإثبات جدارته”.
– علاوي على خط المواجهة
إياد علاوي، زعيم ائتلاف الوطنية، ونائب رئيس الجمهورية الذي أطاحت به إصلاحات العبادي إلى جانب المالكي، انضم فيما يبدو إلى الأخير لحبك خطة تخلع غريمهما العبادي، و”تكليف أحد المقتدرين” بدلاً منه.
وسارع علاوي لإعلان موت خطة العبادي الإصلاحية رغم عدم مضي شهرين عليها، وقال: إنّ “الحكومة التي يقودها حيدر العبادي فشلت في إدارة البلاد”.
وأضاف: أن “التوجه الحكومي الذي يقوده حيدر العبادي لتقليص حمايته وغيره ممّن ساهموا في نضال مرير ضد الديكتاتورية والإرهاب، لا يصب في خانة الإصلاح المزعوم؛ وإنما يهيئ الأرضية لتمرير عمليات اغتيال الوطنيين من أبناء الشعب بتمدد (داعش) سليلة القاعدة ووليدة الطائفية السياسية، وفوضى انتشار السلاح خارج سلطة الحكومة، وتعدد مراكز القوى واستمرار الجريمة المنظمة، وفشل الحكومة في حماية مواطنيها والعاملين الأجانب على أراضيها وانهيار الأمن بالكامل”، على حد قوله.
ويتبنى العلاوي الآن بشكل علني الدعوة لتغيير العبادي، وهو أول موقف صريح من سياسي عراقي بارز بهذا الشأن، ويعلق سعد المطلبي، القيادي في التحالف الوطني، على ذلك بالقول: إن “علاوي لا يزال يغرد خارج السرب السياسي في العراق”.
– الانقلاب العسكري.. مليشيا الحشد بديلاً
قيادي في مليشيا “الحشد الشعبي”، أكد في حديث خاص سابق لـ”الخليج أونلاين” أن قيادة “الحشد” تسعى للوصول إلى سدة الحكم في العراق، لافتاً إلى أن قائد مليشيا “بدر”، النائب هادي العامري، هو المرشح الأبرز لتولي رئاسة مجلس الوزراء خلفاً لحيدر العبادي، بعد الإطاحة بالحكومة الحالية.
وتوصل “الخليج أونلاين” إلى معلومات من داخل قيادات في الحشد الشعبي، تؤكد أن العمل يجري على وتيرة متسارعة لتنفيذ خطة السيطرة على الحكم، وهي خطة تم تدارسها والاتفاق عليها في وقت سابق في إيران، ثم في بغداد، من قبل مجموعة شخصيات سياسية بارزة، بالإضافة إلى قيادات في الحشد الشعبي، وشخصيات إيرانية مؤثرة في دائرة القرار السياسي بالعراق، أهمها قاسم سليماني.
وتمثل مليشيا “الحشد الشعبي” خليطاً من المتطوعين الذين لبوا دعوة المرجع الديني الأعلى آية الله علي السيستاني، الصيف الماضي، لقتال تنظيم “الدولة”، في حين انضمت فصائل المليشيات “الشيعية” تحت جناح قيادة الحشد الشعبي، واتهمت من قبل أطراف سياسية وشعبية بأنها استغلت “الحشد الشعبي” غطاءً لخروقات إنسانية، ارتكبها عناصرها داخل المدن والمناطق الريفية.
وأكد قيادي في “الحشد الشعبي” ينتمي إلى مليشيا “عصائب أهل الحق”، يتحفظ “الخليج أونلاين” على ذكر اسمه، أن “موعد السيطرة على الحكم من قبل الحشد الشعبي بات قريباً”، دون أن يكشف موعداً محدداً لتنفيذ الخطة.
وتابع القيادي في العصائب أن “قائد كتائب بدر، هادي العامري، رُشح لتولي رئاسة الوزراء عقب تنفيذ خطة تغيير الحكومة”، مؤكداً أن “إجماعاً كبيراً ناله العامري، بأنه الرجل الأنسب لهذا المنصب”.
وكشف كذلك أن من بين أهم الداعمين لتولي العامري رئاسة الوزراء نوري المالكي، رئيس الوزراء السابق، وأن “المالكي سيكون صاحب قرار إذا ما تم تنفيذ الخطة” بحسب تأكيده.
وأشار إلى أن “اجتماعات عقدت في طهران وبغداد في وقت سابق، تدارست وضع خطة لإنقاذ العراق”، بحسب تصريحه، مستطرداً بالقول: إن “سياسيين كباراً وقادة في الحشد الشعبي ومسؤولين إيرانيين، بينهم قاسم سليماني، رأوا أن من الأنسب أن يتولى الحشد الشعبي قيادة العراق”.
لا شك أن العبادي يدرك أن دربه ليس مفروشاً بالورود، على أنّه لا شك مصدوم من أن إخوة الدرب و”المنهج” هم من يضع العراقيل أمام مهمته، التي تبدو مستحيلة في بلد مزقه الغزو والحرب والطائفية منذ 2003، بعد أن مزقه الحصار الغربي سنوات قبلها.