نون والقلم

احمد الملا يكتب: المحقق الصرخي والمنهجية التحليلية في قراءة التاريخ الإسلامي

لا يخفى على أحد أهمية الدور الكبير الذي لعبه ويلعبه الكتاب والمؤرخون في صياغة التاريخ بصورة عامة وصياغة التاريخ الإسلامي بصورة خاصة حيث يقومون بنقل الأحداث والوقائع التي حصلت ويمررونها لنا كما هي دون زيادة أو نقصان أو تحريف أو تدليس بحيث يكون هذا النقل بكل حيادية ومهنية وتجرد من أي عاطفة أو ميل أو رضوخ لأهواء السلطان وهذا للأسف الشديد لم نجده عند الغالبية العظمى من الكتاب والمؤرخين…

لكن هناك منهم من استخدم أسلوب معين في نقل المعلومة بصورة تحتاج إلى عقلية فذة وفطنة عالية ودقة في التحليل حتى تستخرج تلك المعلومة التي أراد الكاتب أو المؤرخ أن يوصلها للناس وبطريقة لا تجعل من السلطان أو الحاكم أن يلاحظ تلك المعلومة، فيقوم الكاتب بوضع المعلومات والأحداث التي يرغب بها الحاكم والسلطان ويدس فيما بين تلك المعلومات الحدث الحقيقي وكأنه يشفر الكلام ويترك الأمر للزمن في الكشف عن تلك الحقائق المخبأة بين المعلومات الزائفة التي كتبت على ضوء رغبة السلطان، وطبعًا هذا الكاتب والمؤرخ يكتب بهكذا طريقة ويبتعد عن كتابة الحقائق بصورة صحيحة خوفًا من السلطان والخوف من طباعة الكتاب أو مصادرته لذلك يلجأ لهكذا طريقة ملتوية يحقق منها مراده…

ومن بين أهم وأبرز الأحداث التي كتب عنها الكثير من الكتاب والمؤرخين قضية سقوط بغداد سنة 656 هـ على يد هولاكو، فقد تضارب وتعارضت كتابات المؤرخين في سبب هذا الاحتلال وهناك من عصبها برأس ابن العلقمي وزير المستعصم ومن بين هؤلاء المؤرخين ابن الزركلي حيث يذكر في كتابه الأعلام جزء خامس في صفحة 321 {{ ابن العلقمي (593-656 هـ ) محمد بن احمد مؤيد الدين الأسدي البغدادي المعروف بابن العلقمي وزير المستعصم العباسي صاحب الجريمة النكراء في ممالأة هولاكو على غزو بغداد في رواية أكثر المؤرخين إشتغل في صباه بالأدب وارتقى إلى رتبة الوزارات (سنة 642) فوليها أربعة عشر عامًا وثق به المستعصم فألقى إليه زمام أموره وكان حازمًا خبيرًا بسياسة الملك، كاتبًا فصيح الإنشاء اشتملت خزانته على عشرة آلاف مجلد صنف له الصغاني «العباب» وابن أبي الحديد « شرح نهج البلاغة » نفى عنه بعض ثقات المؤرخين خبر المخامرة (التآمر والخيانة ) على المستعصم حين أغار هولاكو على بغداد سنة (656) وأتفق أكثرهم على إنه مالأه }}…

وهنا نذكر تعليق المحقق المرجع الصرخي على هذا المورد الذي جاء في المحاضرة الثانية والأربعين من بحث « وقفات مع توحيد ابن تيمية الجسمي الأسطوري » حيث قال الأستاذ …

{…التفت إلى العبارات حتى تعرف من يريد أن يكتب كيف يكتب ويبين ما يعتقد به أو يحتمله فيطرحه بإسلوب خوفًا من الجو العام أو من رفض طباعة الكتاب أو من بطش السلطان، لاحظ أكد في الحالة الأولى قال (في رواية أكثر المؤرخين) وهنا ( بعض ثقات المؤرخين ) نفى خبر التآمر والخيانة التي نسبت لابن العلقمي، ويقول (اتفق أكثرهم على إنه مالأه) إذا قال هناك في رواية بعض المؤرخين وهنا تحدث عن بعض ثقات المؤرخين…. }…

فمن يلاحظ ما دونه الزركلي في هذا المورد يجده أنه ذكر ما يريده السلطان والحاكم بأن تعصب مسألة سقوط بغداد على يد هولاكو برأس ابن العلقمي، لكنه في الوقت ذاته برأ ساحة ابن العلقمي عندما ذكر ( مرؤخين ثقات ) قد نفوا خيانة ابن العلقمي للمستعصم وجرد الآخرين من المؤرخين من عنوان ( الثقات)، لكن ما دفعه بأن يذكر خيانة ابن العلقمي ويشير لها هو خوفه من بطش السلطان والخوف من عدم طباعة كتابه، وهذا هو حال الأغلبية العظمى من الكتاب والمؤرخين، لذلك نحن كمسلمين نحتاج إلى إعادة قراءة التاريخ بطريقة دقيقة وموضوعية وتحليلية مجردة من أي توجه أو ميل عاطفي أو مذهبي وبصورة معتدلة ووسطية كما تفرد بذلك المرجع المحقق الصرخي…

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى