قبل أيام، قال الرئيس الأمريكي ترامب إن السعودية والدول الغنية الأخرى في المنطقة، ويقصد بالطبع دول الخليج العربية، هي الأَوْلى بأن تتحمل تمويل إعادة إعمار سوريا.
قال هذا في معرض تبريره لقرار أمريكا وقفَ دفع مبلغ 230 مليون دولار سنويا مخصصة لإعادة إعمار سوريا.
لكن، ما الذي يقصده ترامب بالضبط؟.. لماذا في رأيه أن السعودية ودول الخليج العربية هي التي يجب أن تتحمل نفقات إعادة إعمار سوريا؟
أغلب الظن أن السبب الرئيسي في ذهنه هو أن هذه الدول غنية، كما يردد باستمرار.
لكن هذا ليس مبررا. إن كان الأمر هو أمر غِنى وامتلاك أموال، فإن هناك دولا كبرى كثيرة في العالم أغنى من السعودية ودول الخليج بكثير، فلماذا لا تتولى هي مهمة إعادة الإعمار؟
وأغلب الظن أيضا أن في ذهن ترامب أن سوريا دولة عربية، ومن ثم فإن الدول العربية الغنية هي التي يجب أن تعيد إعمارها.
هنا، فإن نقاطا كثيرة يجب أن نثيرها.
قبل كل شيء، فإن الدول العربية، الغنية وغير الغنية، لم تكن هي التي دمرت سوريا وشرَّدت شعبها.
من دمر سوريا وأباد مدنا وقرى، وشرد أغلب الشعب السوري، هي الدول التي حاربت هناك ومعهم الجماعات والقوى الإرهابية. بعبارة أوضح، من دمر سوريا هي أمريكا وروسيا وإيران وتركيا، والمنظمات الإرهابية، ومعهم النظام السوري.
المنطق البديهي البسيط يقول إن من دمر سوريا هو الذي يجب عليه أن يعيد إعمار ما دمره. ومن شرد شعب سوريا هو الذي يتحمل مسؤولية إعادته إلى أرضه وبلاده وبيوته.
الأمر الثاني أنه منذ أن بدأت مأساة سوريا الدموية، لم يؤخذ رأي الدول العربية في أي شيء يتعلق بالأوضاع السورية، ولم يتم إشراكها في أي مفاوضات أو حوارات تجري حول المحنة، حاضرها ومستقبلها.
الدول الأجنبية هي التي احتكرت كل شيء يتعلق بسوريا، وهي التي تقوم الآن برسم مستقبلها، وحتى صياغة دستورها المفترض.
وأيضا المنطق البديهي البسيط هنا يقول إن من أعطى لنفسه حق احتكار كل ما يتعلق بسوريا وحق تقرير مصيرها، هو الذي يجب أن يتحمل مسؤولية إعمارها.
الأمر الثالث، أننا لا نعرف أي سوريا بالضبط التي يراد للدول العربية أن تعيد إعمارها، والتي ترسم الدول الأجنبية مستقبلها.
هل هي سوريا المقسمة إلى دويلات طائفية؟
هل هي سوريا المقسمة إلى مناطق نفوذ دائمة بين أمريكا وروسيا وإيران وتركيا؟
هل يراد من الدول العربية أن تقوم بتمويل دويلات الطوائف ومناطق النفوذ الأجنبي في سوريا؟
هل يراد من الدول العربية أن تقوم بتمويل ضياع سوريا كدولة موحدة، وكدولة عربية؟
كل هذا الذي ذكرناه لا يعني أبدا أننا نعارض أن يكون للدول العربية دور في إعادة إعمار سوريا.
لكن قبل أي حديث عن هذا الدور العربي في إعادة الإعمار يجب أولا أن يكون للدول العربية كلمة حاسمة فيما يجري من مفاوضات حول مستقبل سوريا.
هذا أمر.. الأمر الآخر أن أحد الشروط الأساسية للمشاركة في إعادة الإعمار أن تضمن الدول العربية أن سوريا سوف تكون دولة موحدة محافظة على هويتها العربية وانتمائها العربي لا خاضعة لاحتلالات أجنبية ومركز تهديد للأمن العربي.