حجّ هذا العام كان من أكثر مواسم الحج نجاحاً وتميزاً بشهادة أكثر من مليونين وثلاثمائة حاجٍ، وبإشادة كبيرة في الإعلام العربي والدولي، وبتطوّرٍ مبهرٍ في الخدمات المقدمة لحجاج البيت العتيق، وعلى الرغم من كل هذا النجاح والتميّز فإن الخلافات السياسية طغت على عقول البعض، وبخاصة في إيران وقطر.
عناصر جماعة الإخوان المسلمين مهما بلغوا من التفقّه والدراسة الشرعية لا يمكن أن يكونوا فقهاء معتبرين؛ لأن فهمهم للإسلام يختلف عما عرفه المسلمون على مدى قرونٍ طويلة عن دينهم، ذلك أن فقهاء الإخوان والإسلام السياسي تختلط عندهم الأولويات، فبينما يركز الإسلام على الإيمان والعبادات وتطهير النفوس، لا يحسن هؤلاء فهم الإسلام إلا من ثقب السياسة والمصالح الحزبية.
أحد النماذج الصارخة لهذا التوجه الإخواني هو يوسف القرضاوي، الذي تحوّل إلى الجنسية القطرية، والذي يعتبر أحد أهم أسلحة قطر في نشر الفوضى والإرهاب في العالم، بفتاويه المتطرفة ومواقفه السياسية العنيفة وتحريضه على نشر القتل والدمار الذي لازم حياته من بدايتها إلى اليوم.
الموقف السياسي القطري بعد مقاطعة الدول العربية الأربع لها هو استمرار في الغي وإصرار على العناد والمكابرة، ومن هنا ذهبت باتجاه إيران وتركيا، وتفتش عن أي طريقة تستطيع بها دعم الإرهاب والتطرف بعدما جعلتها الدول الأربع المقاطعة لها تحت المجهر الدولي في مراقبة علاقاتها بالإرهاب والإرهابيين سنة وشيعة، ومن هنا فهي تهاجم كل ما يتعلق بهذه الدول، وقد وصل بها الأمر إلى منع مواطنيها من تأدية الحج الركن الخامس في الإسلام، وأخذ التعهدات عليهم بعدم الحج وإلا تعرضوا للسجن والعقوبة.
وإرضاء للسياسة القطرية وتماشياً معها كتب القرضاوي تغريدة استنكرها الناس، يقلل فيها من شأن الركن الخامس من أركان الإسلام، ويبرر لحكومة قطر من طرف خفي منعها مواطنيها من تأدية الفريضة، وهو ديدن القرضاوي وكل فقهاء الإسلام السياسي؛ فالتنظيم والحزب مقدّمٌ على الإسلام، والإسلام لديهم مجرد وسيلة للوصول إلى الحكم والاستحواذ على السلطة.
كتب القرضاوي وهو شابٌ في تنظيم الجماعة أبياتاً يتغنى فيها بقاتل النقراشي باشا المسمى عبد المجيد حسن، ويرددها شباب الإخوان يقول فيها:
عبد المجيد تحية وسلام – أبشر فإنك للشباب إمام
سممت كلباً جاء كلبٌ بعده – ولكل كلبٍ عندنا سمّام
ثم انتقل هارباً من بطش عبد الناصر إلى قطر، وكانت له أدوارٌ خطيرة في الكثير من تنظيمات الإخوان المسلمين في دول الخليج العربي، وبعد ثورة الولي الفقيه في إيران دعمتها الجماعة ودعمها القرضاوي، وحين تشكل محور الممانعة الإيراني الإخواني دعمته قطر ودعمه القرضاوي، وأنشأت له قطر اتحاد العلماء المسلمين لضرب المؤسسات الدينية التقليدية، وأعطته الملايين لحشد الأتباع في الواقع وفي العالم الافتراضي، وكانت تسعى لإعلانه مرجعية دينية تشبه إلى حدٍ كبيرٍ مرجعية الولي الفقيه في إيران.
كان القرضاوي أشهر من أفتى بجواز العمليات الانتحارية وحث الشباب عليها، وانطلقت من فتواه كل تنظيمات العنف الديني من «القاعدة» إلى «بوكوحرام» إلى «داعش» وعشرات التنظيمات الإرهابية، لقتل المسلمين والآمنين في كل أرجاء العالم، وقدّم كل الدعم لـ«حزب الله» اللبناني الإرهابي ولحركة حماس الإرهابية في شق الصف الفلسطيني، والمتاجرة بالقضية الفلسطينية في سبيل خدمة إيران ومحورها الممانع.
أما اللحظة التي اتضح فيها فكره الدموي والإرهابي فقد كانت لحظة الربيع الأصولي الإرهابي، الذي كان يعرف بالربيع العربي، حيث فقد القرضاوي توازنه، وعلت نبرته الإرهابية فذهب إلى مصر واختطف منصة التحرير بحماية جماعة الإخوان ورعايتها، وتحدث عن الأصولية والتطرف بأجندة لم تخطر ببال أحدٍ آنذاك، وأخذ ينفث في كير الفتنة ويطلق المواقف والفتاوى جزافاً تمشياً مع فقهه الإخواني العتيد، الذي يرى أن الاستحواذ على السلطة هو أهم أركان الدين، وأن استعادة الخلافة هي أهم الواجبات الدينية.
أصدر القرضاوي في خضم ذلك الربيع المشؤوم فتوى بقتل معمر القذّافي على الهواء مباشرة، وحث كل من حوله على اغتياله وقتله في انسياقٍ مشين وراء السياسة القطرية الداعمة للإرهاب وجماعاته في ليبيا في تلك المرحلة، دون أن يرف له جفنٌ أو تطرف له عين، وهو ما لا يجرؤ عليه فقيه حقيقي لا علاقة له بالسياسة وألاعيبها.
كانت لحظة الربيع المشؤوم لحظة بالغة الأهمية في فضح كل فقهاء الإسلام السياسي وجماعاته وتياراته؛ إذ أيقنوا جميعاً أن لحظة التمكين قد جاءت وعليهم جميعاً أن يظهروا إلى السطح، وأن يستحوذوا على السلطة في كل بلدٍ عملوا فيه، فبدأت بياناتهم ومواقفهم السياسية تخرج للعلن بكل وضوح وجلاءٍ ما نبّه الدول والحكومات على الخطر الحقيقي، الذي تمثله جماعة الإخوان المسلمين وفروعها كافة في الدول العربية والعالم أجمع.
قراءة الإسلام بجعل السياسة هي لبّه والفرض الأكبر فيه هي قراءة إخوانية صرفة لم يسبقوا إليها في تاريخ الإسلام، ولم يقل بها أحد من فقهائه، بل ابتدأت مع حسن البنا الذي كان يتلاعب بنصوص الدين خدمة لمشروعه وتنظيمه وجماعته، فقد كان مرة يتبرأ من السياسة، ومرة يجعلها في صلب خطابه، ويمكن لأي باحثٍ جادٍ أن يتقصى عباراته المتناقضة في الموقف من السياسة والدين، وفي الثناء على الفاشية والنازية، وفي إنشائه التنظيم الخاص أو السري، وفي انتظاره يوم الدمّ، وفي الاغتيالات التي أمر بها وحرّض عليها وشجعها للسياسيين والقضاة والمخالفين، ويوسف القرضاوي هو أحد تلامذته وعناصر تنظيمه، الذين واصلوا المسيرة من بعده في نشر الإرهاب والتطرف.
أغوى القرضاوي كثيراً من المثقفين غير المتخصصين ببعض الفتاوى المتسامحة في الشؤون الفقهية الفرعية، فاعتبره بعضهم رمزاً للتسامح والتيسير، بينما كانت المعادلة عند القرضاوي واضحة، التيسير الفقهي في الفروع والتطرف الحادّ في السياسة، وهو امتدادٌ لفكر الإخوان المسلمين عموماً، لكنه أصبح أحد رموز هذا التيار الكبار.
القرضاوي شاعرٌ إخواني متوسط الموهبة، والمتتبع لشعره في ديوانه «نفحاتٌ ولفحات» أو غيرها من كتبه، لا تخطئ عينه كمية التطرف والإرهاب منذ «نونيته» الشهيرة وصولاً لآخر قصائده، فكلها مليئة بالحث على الإرهاب والحض على التخريب.
أخيراً، فالقرضاوي وأمثاله مجرد تروسٍ في عجلة الفكر والتنظيم الإخواني الذي لا يقيم للإسلام قدراً إلا بقدر ما يخدم مشروعه السياسي.
91 3 دقائق