ظل العالم يعرف طوال سنوات الحرب الباردة، بين الاتحاد السوفييتي (السابق) والغرب، ما يعرف بالستار الحديدي الذي يفصل بينهما ويجسد حالة العداء المتواصل. البعض من المحللين في الغرب يرون ستارًا من نوع آخر يعلو داخل الغرب التقليدي، يكاد يفصل بين الولايات المتحدة وأوروبا، يتكون من الغضب والتوتر وفقدان الثقة، وإن لم يكن قد وصل إلى حد العداء.
وتتزايد الآن المخاوف في لندن التي تحرص على ألا يؤدي ارتباطها بأوروبا إلى قطيعة في العلاقات مع الولايات المتحدة، من أن يكون الهدف القادم لحالة الغضب التي يبديها الرئيس الأمريكي ترامب إزاء حلفائه الأوروبيين، هو القمة القادمة لحلف الأطلسي الذي لا يزال يمثل رمز التحالف بين الجانبين. وهو الغضب الذي لم يكف ترامب عن إظهاره، وضمن مظاهره قول ترامب بأن الولايات المتحدة ستكسب أية حرب تجارية، لو أن أوروبا لجأت إلى اتخاذ إجراءات انتقامية رداً على السياسة التجارية الجديدة لترامب، والتي شرّعت زيادة الرسوم الجمركية على وارداتها من دول التحالف الأوروبي.
وهو ما دفع الرئيس الفرنسي ماكرون للرد على مواقف ترامب بقوله إن التعاون الدولي لا يمكن فرضه بطلقات من الغضب والملاحظات المندفعة. كما وصفت المستشارة ميركل تصريحات ترامب بأنها تثير الأسى.
وأصبحت الصحف الأوروبية تعكس هذا الشعور العام، ومن بينها المقال الذي نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية تحت عنوان «أمريكا لم تعد دولة يمكن أن نثق فيها». وقال كاتب المقال أليكس ماسي إن الرئيس الأمريكي يعطي الانطباع بأنه يحمل إعجاباً بأعداء أمريكا، أكثر من مشاعر الود لديه تجاه أصدقاء أمريكا. وإن السياسات التجارية لترامب، قد أضعفت التحالف الأطلسي على أية حال.
أكثر من ذلك كان القول في أوروبا، بأنه مهما كانت السياسة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية، فإن توجهات ترامب تبدو عدائية تجاه أوروبا، ومعايير السياسات الأوروبية. حيث يعتقد أنها تدمر كل شيء. أو حسب قول الكاتب أليكس ماسي، إن الفوضى صارت بالنسبة لهم صديقاً وليس مصدر تهديد. وبالتالي ترتب على ذلك، أن الولايات المتحدة لم تعد شريكاً يعتمد عليه، أو حتى دولة يمكن الثقة فيها.
إن الصورة للحالة الراهنة للعلاقات بين طرفي التحالف الأطلسي، لم تنشأ فجأة، لكنها جاءت كتطور تدريجي للمواقف التي أفصح عنها ترامب منذ أول يوم له في السلطة، والتي بدأت بتصريحاته المستفزة للحلفاء الأوروبيين، ومنها قوله إن حلف الأطلسي قد عفا عليه الزمن، ثم مطالبته أوروبا بتحمل تكلفة دفاع أمريكا عنها في إطار التحالف بينهما، والذي تأسست قواعده على مفهوم الجبهة الواحدة، التي كان يمثلها حلف الأطلسي، منذ تأسيسه عام 1947، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.
وكانت من نتائج ذلك، زيادة الدعوات في دول أوروبا وخاصة ألمانيا، بأن يكون لأوروبا كيان دفاعي يخصها، بدلاً من الاستمرار في الاعتماد على الولايات المتحدة، والتي تظهر مع كل يوم، رغبة في التخلص من التزاماتها التقليدية إزاء الحلفاء الأوروبيين.
وبالرغم من أن هذا التوجه كان قد بدأ في فترة الولاية الثانية لرئيس الولايات المتحدة أوباما، وسياسته الجديدة التي تركز على الاهتمام استراتيجياً بآسيا، ونتائج صعود الصين، وزيادة نفوذها الاستراتيجي إقليمياً ودولياً، إلا أن هذا التوجه ازداد اندفاعاً على يد الرئيس ترامب، وإعلانه صراحة عن مواقف تبدو لأوروبا وكأنها مواقف تجاه خصوم أو أعداء، وليست تجاه، أصدقاء وحلفاء.