نون والقلم

وليد الرجيب يكتب: حروب تجارية عالمية

لا نستطيع عزل سلوك البيت الأبيض، في فرض الإرادة بالقوة على الغير، مثل فرض عقوبات اقتصادية على دول عدة، أغلبها دول صديقة وحليفة لأميركا، لا يمكن عزل ذلك عن الأزمة الرأسمالية البنيوية، التي تضرب بقوة العالم الرأسمالي.

فدونالد ترامب جاء إلى الرئاسة الأميركية سواء بتزوير الانتخابات أم لا، بدعم من اليمين الأميركي واللوبي الصهيوني، لإنعاش الشركات والبنوك الرأسمالية بعد أزمتها الاقتصادية الخانقة منذ 2008.

فشعار مثل «أميركا أولاً» لا يمكن تحقيقه إلا بكبح اقتصادات الدول الأخرى، وفرض ضرائب على منتجاتها وبضائعها، وهي الحرب الرأسمالية/‏ الرأسمالية المعتادة، التي تبدأ بالاستيلاء على ما لدى الغير، ثم يؤدي ذلك إلى حروب عالمية بينها.

وهنا نحن لا نفترض أن هناك حرباً تقليدية قادمة بين الدول الرأسمالية، مثلما حدث في القرن الماضي، وهو ما يدفع به اليمين الفاشي عادة، ولكن موضة العصر هي الحروب بالوكالة، والاستعمار والتدمير والاستيلاء على الثروات، بحجج الحرب على الإرهاب، أو لأسباب واهية مثل القبض على مواطن أميركي، واستعمال صفته الدينية كقس، لإثارة الشارع الأميركي وكسب تعاطفه.

فالحروب التجارية التي شنتها أميركا على إيران وتركيا، أثرت على انهيار عملتها وعلى اقتصادها، لكن شظاياها يصل في كل الأحوال إلى أوروبا، خصوصاً ألمانيا من خلال التبادل التجاري مع تركيا وإيران، لكن اليمين الأهوج في أميركا، لا يبالي حتى بانعكاس ذلك على اقتصاده، فاليوم لا اقتصاد بمعزل عن الدول الأخرى.

والحروب التجارية التي يشنها الرئيس ترامب يمناً ويساراً وعلى الجميع، هي حروب ذات أبعاد سياسية أيضاً، ويبدو أن ترامب لا يبالي بأي دولة، سواء بعيدة أو حليفة له بالناتو مثل تركيا، بل هو لا يبالي بالسخط الداخلي وخاصة من الصحافة الأميركية، التي وصفها بالخائنة بينما اعتبرت سلوكه تجاهها تقويضاً للديموقراطية.

وفي منقلب آخر تأتي دعوات «الإخوان المسلمين»، لدعم الاقتصاد والليرة التركية باعتباره واجباً شرعياً، بينما أهملوا الاقتصاد في بلدان عربية وإسلامية عدة، مثل مصر والسودان وغيرهما، ما يشي برائحة حزبية محضة، متناسين العلاقات الوثيقة بين تركيا وإسرائيل، ومتناسين العلاقات التركية مع «داعش» من خلال شرائها للنفط منه.

أليس العالم اليوم خريطة شديدة التعقيد والخطورة؟ والضحية في كل ذلك هي الشعوب وبالأخص شعوبنا، وفي هذا الصدد لا يجب وضع كل البيض في السلة الأميركية، لأننا لن نكون بمنأى عن صفاقة اليمين العنصري ضدنا.

نقلا عن صحيفة الراى الكويتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى