عيد الاضحى الذي يرتبط بمعنى التضحية والفداء، يرتبط كذلك بالتفاؤل والطموح والانطلاق إلى الامام، لأن معنى التضحية والفداء مرتبط بشعور القوة والعزة والحرية ورفض الذل والمهانة، وما ذبح الأضاحي الاّ تعبير رمزي عن جملة من المعاني المتقاربة التي تدول حول معنى الاستعداد لبذل الغالي والرخيص من أجل المعاني النبيلة، حيث أن سيدنا ابراهيم عندما رأى في المنام أنه يذبح ابنه اسماعيل، وقال له ابنه افعل ما يؤمر وستجدني أن شاء الله من الصابرين، نزل حكم الله بالفداء من خلال ذبح كبش عظيم، وهي قصة تقترب من قصة عبدالله والد النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما نذر عبد المطلب أن يذبح أحد أبنائه إذا رزقه الله بعشرة من الأبناء، ووقعت القرعة على عبدالله ، ثم جرى استبدال ذلك بنحر مائة من الإبل، ومن هنا جاء في الأثر عن النبي قوله : ( أنا ابن الذبيحين ).
أصبحت الأضحية طقساً اسلامياً متبعاً وسنة نبوية مؤكدة، تحمل جملة من الدلالات السعيدة التي تؤكد ادخال الفرح والسرور على كل أبناء المجتمع في هذا اليوم، ليكون يوم فرح وسرور وغبطة ومتعة وأكل وفير خاصة في مجال ما لذ وطاب من اللحوم والشحوم المشوية والمطبوخة ، وهذا مأخوذ من وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لأيام التشريق التي تتبع يوم عيد الأضحى لدى الحجيج بأنها أيام أكل وشراب وراحة واستمتاع بالطيبات وما لذ من الطعام الحلال بعد رحلة الحج الشاقة .
العيد محطة تعبدية من صنف آخر مختلف من العبادات المحببة الى النفس، فهنا يكون التعبد من خلال الذهاب إلى مسارات الفرح والحبور وإدخال السرور على النفوس المتعبة، والمسح على جراح المصابين، وقضاء حاجات المعوزين، ومواساة مكسوري الخاطر من أجل أن يشترك جميع أبناء المجتمع في لحظات الفرح والإقبال على الحياة ضمن نطاق الحلال وضوابط الشرع، ولذلك ورد في الأثر الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا السياق ( أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم )، ولذلك فإن فرصة الأغنياء والأثرياء الثمينة في أيام العيد تتمثل ببذل الجهد في ادخال السرور على نفوس الفقراء، واشعارهم بالإخوة ورابطة الايمان التي تعلو فوق كل الروابط، ويكون ذلك من أجمل العبادات وأفضلها وأكثرها أجراً وقبولاً عند الله.
العيد مناسبة جميلة لنثر معاني الجمال والخير، ومناسبة طيبة لتعزيز العلاقات الطيبة والحسنة بين الأفراد، وقطع دابر الخصومة وفض النزاعات وتقوية روابط القرابة والرحم وإعادة صلتها بنفس طيبة وشعور متدفق بالسعادة الغامرة ونسيان الماسي وتجاهل الاذى، من أجل الاسهام في إعادة بناء المجتمع المتحاب المتماسك القوي المتحد العصي على عوامل التفكك والفرقة، واصلاح ما أفسدته الدنيا والسياسية والتنافس على المصالح ؛ في نفوس الإخوة والأصدقاء والأقرباء والجوار وسكان الاحياء، وهنا ينبغي عدم نسيان الأشقاء المهجرين من أرضهم وديارهم ظلماً وعدواناً نتيجة آثار الحرب.