يتصرف النظام الإيراني حاليا بقدر كبير من الغباء والارتباك.. وهذا الكلام ليس من ضرب المبالغات بل هو واقع محسوس. الشركات الأجنبية الكبرى تغادر إيران واحدة تلو الأخرى، والأنشطة التجارية لهذه الشركات تتوقف هناك، ويتم إلغاء عقود وصفقات وتصفية حسابات وأعمال، بعد أن استغرق الأمر سنوات لترتيب التعاون التجاري بين النظام الإيراني والشركات الأجنبية والأوروبية، وهذا يعني مزيدا من العاطلين الإيرانيين ومزيدا من الفقر ومزيدا من السخط الشعبي على النظام.
ومع اشتداد حدة العقوبات الأمريكية، وما يتعرض له النظام الإيراني من أزمة مالية أفقدت الريال الإيراني ما يزيد على نصف قيمته أمام الدولار الأمريكي، يستمر النظام الإيراني في العناد والمكابرة، ويطلق التصريحات العنترية الحادة، التي راحت تسيء حتى إلى أصدقاء إيران مثل نظام كوريا الشمالية، حيث قال رئيس الحرس الثوري الإيراني قبل أيام إن «إيران ليست كوريا الشمالية»، وإن النظام سوف لن يقوم بأي مفاوضات مع واشنطن، والأمر ذاته كرره المرشد الإيراني الأعلى خامنئي.
المبعوث الأمريكي الأسبق إلى الشرق الأوسط دينس روس كتب في مجلة فورين بوليسي جازمًا بأن النظام الإيراني سوف يرضخ في النهاية، وأنه سوف يطلب لقاء الرئيس دونالد ترامب لغاية إبرام اتفاق جديد. وهناك الكثير من المراقبين الذين يقولون الأمر نفسه، ويعتقدون جازمين كذلك أن انسحاب الرئيس الأمريكي من الاتفاق النووي سوف يرغم إيران على القبول باتفاق جديد وفي إطار شروط أفضل وأكثر إحكامًا.
إلا أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: لماذا ينتظر النظام الإيراني، ويتفرج على اقتصاده ينهار، وعلى الشركات الكبرى الكثيرة التي تغادر أراضيه، ولا يسارع إلى فعل ما يلزم؟ هذا الأمر ليس من السياسة والذكاء في شيء، بل هي عنجهية سوف تؤدي إما إلى إبرام اتفاق نووي جديد يكون النظام الإيراني حينها قد بلغ قاع التردي المالي والاقتصادي، وإما إلى عدم إبرام اتفاق ومن ثم سقوط النظام الإيراني حينما ينفجر الوضع الداخلي الآخذ في الغليان. وفي الحالتين، فإن النظام الإيراني يتصرف بغباء، وتقوده في ذلك عنجهيته ومكابرته وتسلطه المعهود.