كتب: سامي عبد الرؤوف
لماذا تهتم الإمارات بالدخول قبل معظم دول العالم إلى عصر الذكاء الاصطناعي؟ وهل يؤثر الاعتماد على الآلة سلباً على الإنسان ووظيفته وحياته؟ وكيف يمكن الجمع بين «الإنسان والآلة» لتقديم نموذج جديد، وما هي خطة الدولة لتطبيق معادلة «الإنسان + آلة = قوى عظمى»؟ وكيف تنظر الدولة إلى مستقبل الذكاء الاصطناعي واعتمادها عليه؟ وما أهم الوظائف والمجالات والقطاعات التي تستهدف الدول الدخول إليها خلال السنوات المقبلة ؟ وما تأثيره على إسعاد المجتمع؟، وماذا عن نتائجه الاقتصادية والاجتماعية..؟.
هذه التساؤلات وغيرها يجيب عنها الملف التالي:
كشفت دراسة أجرتها وزارة الاقتصاد، في الربع الأول من العام الجاري، استبدال 1.9 مليون وظيفة بوظائف أخرى في الإمارات، جراء تطبيق تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفقاً لدراسة حديثة أجرتها مؤسسة «ماكنزي»، فيما أكدت دراسات عالمية، أن الإمارات ستصبح مركز الذكاء الاصطناعي في العالم بحلول عام 2030، مشيرة إلى أن استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي، تعد الأولى من نوعها بالمنطقة والعالم من حيث القطاعات التي تغطيها ونطاق الخدمات التي تشملها وتكاملية الرؤية المستقبلية التي تستشرفها.
وأشارت دراسة وزارة الاقتصاد التي حصلت عليها «الاتحاد»، إلى أنه طبقاً لتقديرات بعض الدراسات العالمية، فإن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستكون قادرة على تحفيز النمو في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، بواقع 35 % حتى عام 2031، وخفض النفقات الحكومية بنسبة 50 % سنوياً، سواء ما يتعلق بخفض الهدر في عدد المعاملات الورقية، أو توفير ملايين الساعات التي يتم هدرها سنوياً في إنجاز تلك المعاملات الورقية.
ورصدت «الاتحاد»، أهم 10 وظائف مرتبطة بالذكاء الاصطناعي، ستشهد نمواً خلال السنوات الخمس المقبلة في الإمارات، لتؤهل الدولة أن تسبق العالم إلى دخول عصر وظائف الذكاء الاصطناعي، وتضم هذه الوظائف والمجالات، خبير بيانات ومحلل بيانات، التعاملات الرقمية، والعاملين في لغات برمجة الذكاء الاصطناعي، وتصنيع السيارات ذاتية القيادة، والتاكسي الطائر.
كما تضم هذه الوظائف الطائرات من دون طيار، والتعلم الآلي، والتشخيص والعلاج الطبي عن بعد، وكذلك تصنيع الروبوتات والإنسان الآلي، وأنظمة الترجمة الآلية، بالإضافة إلى تخصص المحاكاة المعرفية.
وأكدت لينكدإن، أكبر شبكة مهنيين في العالم، والتي تضمّ أكثر من 560 مليون عضو، أن الوظائف الرقمية ستصبح واحدة من أسرع القطاعات نمواً في الإمارات، حيث تضم الدولة أفضل المواهب الدولية والمحلية، مشددة على أن المهنيين في الدولة سيحتاجون إلى تزويد أنفسهم بالمهارات المناسبة للاضطلاع بأدوار في مجال التكنولوجيا – وبالتحديد التكنولوجيا التي ستقوم بتحويل نماذج الأعمال في جميع الصناعات.
ويعرّف الذكاء الاصطناعي على أنه فرع من فروع علم الحاسوب، وهو عبارة عن سلوك وخصائص معينة تتبعها البرامج الحاسوبية، بحيث تصبح قادرةً على محاكاة القدرات الذهنية الخاصة بالبشر في أنماط عملها المختلفة، وأهم هذه القدرات، هي قدرة الآلة على التعلم والاستنتاج واتخاذ القرارات، بالإضافة إلى القيام بالعديد من ردود الأفعال.
وظائف تحال إلى التقاعد
في ظل الاعتماد المتنامي للدولة على الذكاء الاصطناعي، أظهرت إحصاءات أصدرتها هيئة تنظيم الاتصالات، ممثلة بمبادرة الحكومة الذكية، إحالة 5884 وظيفة في الجهات الحكومية الاتحادية إلى التقاعد نتيجة تطبيق الخدمات الذكية والإلكترونية.
وبحسب إحصائية الدراسة، تتوزع هذه الوظائف الملغية على الأعوام الثلاثة الماضية، منها 1311 موظفاً في عام 2015، و1604 موظفين في 2016، بالإضافة إلى 2970 موظفاً العام الماضي.
وتناولت الدراسة موضوع الاستثمار في التحول الذكي للخدمات الحكومية للجهات الاتحادية، وأثره على أهداف التنمية المستدامة بشكل عام، وخلصت في حصيلتها النهائية إلى مؤشرات إيجابية على صعيد الإنجازات التي تحققت في القطاع، وهو ما دفع الإمارات إلى إحراز ترتيب متقدم على مستوى العالم في الخدمات الذكية.
التوجهات المستقبلية
كشفت دراسة وزارة الاقتصاد عن التوجهات المستقبلية لدولة الإمارات بمجال الذكاء الاصطناعي، مشيرة إلى أنها تضم وضع التشريعات والقوانين والأطر التنظيمية الأساسية في الدولة من أجل حوكمة تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتعزيز وتكثيف الاستثمارات النوعية المرتبطة بالابتكار والتقدم التكنولوجي والبحث والتطوير. كما تتضمن توافر الخدمات كافة عبر الذكاء الاصطناعي، وتحقيق الاندماج الشاكل مع الخدمات الطبية والأمنية، وتوظيف تقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في القطاعات الاقتصادية كافة، ومنها قطاعات التعليم والصحة والمواصلات والطرق، وغيرها.
وتستهدف خطة الإمارات المستقبلية في هذا المجال، تعليم مليون مبرمج عربي على برمجة الذكاء الاصطناعي، وتعزيز وتضافر الجهود والشراكات العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وبناء الخبرات على الصعيد الدولي، بالتعاون مع الشركات العالمية لاستقطاب المهارات، والاستفادة من الخدمات غير المسبوقة التي توفرها تقنيات الذكاء الاصطناعي، ودورها في تحسين حياة الإنسان التي تتجاوز الحدود الجغرافية لتشمل العالم.
9 قطاعات
تستهدف خطة الإمارات في الذكاء الاصطناعي قطاعات عدة، أهمها 9 قطاعات، هي: قطاع النقل من خلال تقليل الحوادث والتكاليف التشغيلية، وقطاع الصحة من خلال تقليل نسبة الأمراض المزمنة والخطيرة، والفضاء بإجراء التجارب الدقيقة، وتقليل الأخطاء المكلفة، وقطاع الطاقة المتجددة عبر إدارة المرافق والاستهلاك الذكي.
كما تضم قطاع المياه عبر إجراء التحاليل والدراسات الدقيقة لتوفير الموارد، وقطاع التكنولوجيا من خلال رفع نسبة الإنتاج والصرف العام، وكذلك قطاع التعليم من خلال تقليل التكاليف وزيادة الرغبة في التعليم والتركيز على التعليم الحسي، بالإضافة إلى قطاع البيئة عبر زيادة نسبة التشجير، وزراعة النباتات المناسبة وقطاع المرور عبر تطوير آليات وقائية كالتنبؤ بالحوادث والازدحام المروري ووضع سياسات مرورية فعالة.
22 مليار درهم
من المتوقع أن تحقق استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي- طبقاً لتقديرات العائدات الاقتصادية السنوية في العديد من القطاعات- 22 مليار درهم عن طريق رفع إنتاجية الأفراد، بنسبة 13 %، وتجنب هدر 396 مليون ساعة في وسائل النقل التقليدية وعلى الطرقات سنوياً، وخفض تكاليف النقل بنسبة 44%، بما يوازي 600 مليون درهم، والحد من الانبعاثات الكربونية والتلوث البيئي بنسبة 12 %، بما يوازي 1.5 مليار درهم، والحد من الحوادث المرورية والخسائر الناجمة عنها بنسبة 12% بما يحقق وفراً قدره مليار درهم عبر رفع كفاءة قطاع النقل في دبي بحلول 2030، بحسب ما أكدته دراسة وزارة الاقتصاد.
وأشارت إلى أن الاستثمار الإماراتي في الذكاء الاصطناعي شهد نمواً بنحو 70 % خلال السنوات الثلاث الماضية، منذ عام 2015.
فيما قدرت مؤسسة « آي دي سي» لأبحاث تقنية المعلومات استثمارات الدولة في الذكاء الاصطناعي بنحو 33 مليار درهم بنهاية العام الماضي، مستندة في ذلك إلى خبراء وأكاديميين.
البيانات «ذكية» بالكامل 2031
أكدت دراسة وزارة الاقتصاد، أن الخدمات وتحليل البيانات ستعتمد على الذكاء الاصطناعي، بمعدل 100 % بحلول عام 2031، بحيث يتعين على جميع الجهات الحكومية في الدولة اعتماد الذكاء الاصطناعي، بما ينسجم ومئوية الإمارات 2071، الساعية إلى أن تكون دولة الإمارات الأفضل في العالم في المجالات كافة.
وقالت: «تسعى استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي في الأساس إلى تطوير وتنظيم أدوات تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، بحث تكون جزءاً لا يتجزأ من منظومة العمل الحكومي بالدولة، وتحقيق تطور نوعي في الأداء العام عبر بناء منظومة رقمية ذكية كاملة متصلة، تتصدى للتحديات أولاً بأول، وتقدم حلولاً عملية وسريعة تتسم بالجودة والكفاءة».
المواطن الرقمي
يمثل الذكاء الاصطناعي أهم مخرجات الثورة الصناعية الرابعة لتعدد استخداماته في المجالات الصناعية والاقتصادية والتقنية والطبية والتعليمية والخدمية، ويتوقع له أن يفتح الباب لابتكارات لا حدود لها، وأن يؤدي إلى مزيد من التطور الصناعي بما يحدث تغيراً جذرياً في حياة الإنسان.
ومع التطور التكنولوجي الهائل والمتسارع، وما يشهده العالم من تحولات في ظل الثورة الصناعية الرابعة، سيكون الذكاء الاصطناعي محرك التقدم والنمو والازدهار خلال السنوات المقبلة، وبإمكانه وما يستتبعه من ابتكارات أن يؤسس لعالم جديد، قد يبدو الآن من دروب الخيال، ولكن البوادر الحالية تؤكد أن خلق هذا العالم بات قريباً، بحسب دراسة وزارة الاقتصاد عن الذكاء الاصطناعي بدولة الإمارات.
استثمارات تفوق النفط
وعلى المستوى العالمي، أفادت دراسة وزارة الاقتصاد بأن الاستثمارات حالياً في مجال الذكاء الاصطناعي عالمياً تفوق الاستثمارات في التنقيب عن النفط، وستختفي 47 % من الوظائف الحالية خلال السنوات المقبلة بسبب الذكاء الاصطناعي، ومن المتوقع بالأتمتة مستقبلاً أن يتم استبدال نحو 83 % من الحرف ذات الأجور التي لا تتجاوز 20 دولاراً في الساعة، الأمر الذي يشكل قلقاً لتداعياته على نسبة البطالة، وتفاوت معدلات الدخل بالنسبة للدول التي يمتهن مواطنوها هذه الحرف المهددة بالانقراض.
ومن المتوقع، أن يضيف الذكاء الاصطناعي عام 2030 إلى الناتج المحلي الإجمالي العالمي أكثر من 15 تريليون دولار (10 أضعاف مبيعات النفط عالمياً).
ولفتت الدراسة إلى أن انعكاس الذكاء الاصطناعي على التطور الطبي أصبح يضيف 5 سنوات جديدة لعمر الإنسان في كل عقد، بمعنى أن شخصاً بعمر 90 ستكون صحته بصحة شخص عمره 60 عاماً اليوم.