نون والقلم

ماهر ابو طير يكتب: ليست صحوة للخلايا النائمة

أثبتت الأدلة، دومًا، ان اغلب الجماعات المتطرفة، تدار عبر وسطاء، يمثلون جهات اقليمية ودولية، وهذا يعني ان اجندة هذه الجهات التي تدير هذه التنظيمات هي التي يجب استبصارها، وراء كل تصرف من جانب هؤلاء، من اجل فهم التواقيت، والغايات، والرسائل.

هذه الجماعات، غالبا ماتكون أداة بيد اجهزة امنية، وعواصم، ودول، لغايات مختلفة، وبرغم ان اغلب من ينتسبون الى هذه الجماعات لا يصدقون هذا الرأي، بل ويعتبرونه طعنا في صدقية شعاراتهم، الا ان احداثًا كثيرة في سوريا والعراق، ودول اخرى، اكدت ان ادارة هذه التنظيمات والفصائل تجري عبر واجهات ووسطاء، لا يعبّرون مباشرة، وعلنا، عن الموجه الاصلي، بل ينسابون مع شعارات هذه التنظيمات، ويوفرون لها الدعم المالي واللوجستي، وكثيرا ما كان تفجير هنا او هناك، غايته المعلنة تختلف تماما عن غايته السرية، التي بقيت سرا مكتوما، حتى يومنا هذا.

على هذا فإن الكلام اليوم، بعد ما حدث في الفحيص والسلط، عن مجرد صحوة للخلايا النائمة، في الاردن، ليس كافيا، على صحته، اذ ان علينا ان نسأل عن الطرف المستفيد فعليا، من ترويع الاردن في هذا التوقيت بالذات، ولماذا في هذا الوقت، وما هي الرسائل التي يراد ارسالها للاردن، وانا من اولئك الذين يتبنون الدعوة القائلة، لنبحث عن صاحب البرقية الاصلية، قبل حاملها؟.

على مدى السنين السبعة الفائتة، بقي الاردن محصنا، وقويا، باستثناء حوادث محدودة مثل ما رأيناه في الكرك، او مواقع اخرى، وسبق ذلك تفجيرات عمان، التي تركت اثرا ليس سهلا، واذا كان الاردن اليوم، يعد محاطا بسوار من نار، بسبب ما تتعرض له هذه التنظيمات في سوريا والعراق ومناطق اخرى، فإن الخطر الاكبر، كان يتعلق بنوعين، الاف المقاتلين الاردنيين الذين انتسبوا الى هذه التنظيمات، وسافروا إلى ساحات القتال، والاف المنتسبين لهذه التنظيمات بشتى انواعها، والذين يعيشون هنا، ولا تظهر على اغلبيتهم اي سمات لاي نشاطات سرية، وكأنهم في مرحلة حياد، او كمونٍ مؤقت.

بنية الاردن الداخلية، قوية، على ما فيها من نقاط ضعف واشكالات وتداخلات واختلافات، بل وتراشقات واتهامات حول كل شيء، غير ان لا احد يقبل في الاردن، بأن يتم جرحه، ولا مس بنيته واستقراره، وهذا امر معروف للكل، فلا احد هنا يختلف بشأن الاردن، سوى اولئك الذين لديهم الاستعداد، لنقل ازمات الجوار الى الاردن، او شبك الاردن باعتباره مجرد حديقة خلفية لدول الجوار ولهذه التنظيمات.

هذا يعني من جهة اخرى، ان ازمة هذه التنظيمات في دول الجوار، بعد الذي تعرضت له، يراد تعويضها، بنقل النار الى الاردن وفتح جبهة جديدة، وهذا اول احتمالات تأويل حادثتي الفحيص والسلط، وهو احتمال ممكن، وسائد، لكنه ليس الوحيد، وسط تأويلات هذه الصحوة المباغتة لهذه الخلايا النائمة في الاردن، من حيث التوقيت والمواقع.

ثانيهما ان تكون هذه الخلية قد نشأت تدريجيا، وتدربت واستعدت لهذه اللحظة، واستقت رؤيتها الاجرامية، مما تظنه الدين، الذي هو بطبيعته براء من فكرة سفك الدم، بهذه الطريقة، لكن هنا، لا يمكن ان نعزل نشأة هذه الخلية، وتوابعها، ان وجدت عن سياق اوسع يتعلق بالاحتمال الاول، اي هزائم التنظيمات في دول الجوار، والحاجة الى النفاذ عبر ثغرات الى اي دولة في المنطقة.

اما الاحتمال الثالث، وراء ما شهدناه، فنعود به الى بداية المقال، اي الموجه الاصلي، وما الذي يريد ابلاغه للاردن، وماهي رسالته، ولماذا الان، وهل رسالته تريد ان تتنزل في بريد الاردن، حصرا، ام تتعلق برؤية مرتبطة بالاقليم، واعادة خلط الاوراق، لتخفيف الضغط عن محاور اخرى، عبر فتح جبهة في بلد حساس جيوسياسيا، وعلى صعيد امن الاقليم والعالم، مثلما يتوازى مع هذا الاتهام لجهة اقليمية محددة هنا، الاتهام ذاته لدول اخرى، ترى في تخريب الاردن، منفعة على صعيد حساباتها.

كل مرة، يخرج الاردن، قويا، من غدر هؤلاء، ويضحي خيرة شبابنا، بدمهم، ويصطف الداخل الاردني بقوة في وجه الازمة، فهذا هو معدنه، لكن هذه المرة، علينا ان لا نقف عند التأويلات المعتادة لهكذا جرائم، ونذهب الى السؤال الاهم: ما الذي يريده مدير هذه التنظيمات من الاردن؟.

ليست صحوة للخلايا النائمة، فقط، بل ربما اخطر من ذلك بكثير.

نقلا عن صحيفة الدستور الأردنية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى