نون والقلم

وليد الرجيب يكتب: موسم الهجرة إلى الشمال

لست بصدد الكتابة عن رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» للكاتب السوداني الطيب الصالح، بيد أني سأتحدث عن موسم يغادر فيه الكويتيون، وهو موسم الصيف حيث تبدو البلد شبه خالية من أهلها، ولعل ذلك من ضمن ما أغرى صدام حسين في اختيار وقت الغزو.

وقد تكون الكويت من البلدان النادرة، التي تتوقف فيها الأنشطة والحياة المعتادة في فصل الصيف، فبناء على تلك العادة الاجتماعية التي ترسخت، أصبح من المتعارف عليه، بطء أو توقف كل شيء تقريباً في هذا الفصل.

وتصبح الأعمال الإدارية أكثر بطئاً، ويوكل المسؤولون الكبار عملهم بالإنابة، وتتوقف الأنشطة السياسية في الحكومة، وتتوقف التنظيمات السياسية عن اصدار البيانات، ولا يجد كتاب الصحافة اليومية ما يكتبون عنه، وحتى الأنشطة الثقافية تتوقف.

وأتذكر في ثمانينات القرن الماضي، أنني تلقيت دعوة من المناضل الوطني الكبير الراحل سامي المنيس، لإلقاء محاضرة في «الموسم السياسي المقبل» – الذي يبدأ عادة في سبتمبر- فبدأ تساؤلي هل للعمل السياسي مواسم؟

في الصيف كل شيء يغدو بطيئاً ومملاً، وتتحول عطلة المدارس الصيفية، إلى مشكلة لبعض الأسر، حيث يقضي أبناؤهم الليل والنهار في الألعاب الالكترونية، أو يقضون الوقت بالتسكع وافتعال المشاجرات، أو يُصطادون من قبل تجار المخدرات، وقد يتعرضون للانحراف.

بينما في عقدي الستينات والسبعينات، كانت تُفتح النوادي الصيفية في المدارس، التي كانت تشرف عليها وزارة التربية، لاشباع رغبات وهوايات الطلبة، في مختلف الأنشطة المفيدة، مثل الرياضة والرسم والتمثيل ونشاطات القراءة والكتابة الإبداعية. أما الآن أصبحت النوادي الصيفية نادرة، وإن وجدت فيديرها القطاع الخاص، أي بمقابل مادي قد لا تستطيع بعض الأسر دفعه، وأتذكر شخصياً أني اشتركت في سن الثامنة بنادي السباحة، كان ذلك في بداية الستينات، وذلك على يد مدرب مختص في مدرسة صلاح الدين، حيث كانت الباصات المخصصة من وزارة التربية، تمر في المناطق المختلفة، لنقل الأولاد صباحاً وتعود بهم قبل الظهيرة، كما تتيح هذه النوادي، اشغال وقت الفراغ وتعلم المهارات، وبالتالي جعل العطلة الصيفية مفيدة للأبناء.

وهنا نعود لأهمية دولة الرعاية الاجتماعية، وهي الرعاية التي تهتم بالنشء، أي تقدم الخدمات للإنسان والمواطن مجاناً، وترك هذه الخدمات للقطاع الخاص، يعني تخلي الدولة عن دورها في الرعاية، فالقطاع الخاص لا يهتم سوى بالربح والمال.

فإلى أن ينتهي فصل الصيف، الموسم الكسول، سنظل في حالة انتظار، حتى يعود البلد للانتعاش وتبدأ الحياة ومواسم النشاط فيها.

نقلا عن صحيفة الرأى الكويتية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى