من الخطأ الصعود إلى سطح آيل للانهيار، أو ركوب قطار متجه إلى جدار. هذه بديهية يجب أن يدركها أولئك الذين يحزمون حقائب السفر إلى «العصر الإسرائيلي». فعما قريب ستغيب شمس «إسرائيل اليهودية» ويظل نتانياهو ودواعش الصهيونية يبحثون عن «مكان تحت الشمس». تعود فلسطين كما كانت دولة، ككل دول العالم، لكل مواطنيها، مسلمين ومسيحيين ويهود من كل الطوائف والأعراق. ألم تقل غولدا مائير أنها كانت فلسطينية وتحمل جواز السفر الفلسطيني في عهد الانتداب البريطاني أي قبل قيام إسرائيل؟!
ما الذي تغير إذاً؟ وهل ألغى قيام إسرائيل «فلسطين» من التاريخ ومن ذاكرة الشعب الذي قيل ليهود العالم إنه غير موجود، تعالوا إلى أرض إسرائيل، أرض اللبن والعسل؟!
يقول الباحث جيريمي سولت في «ذا بالستاين كرونيكل» إنه من المدهش أن تشاهد شخصاً يدق المسامير في نعش وهو يظنُّ أنه لشخصٍ آخر، ولا يدرك أن هذا النعش ربما يكون له هو، مشيراً إلى قانون الدولة القومية اليهودية الذي كان آخر مسمار في نعش القضية الفلسطينية، وليس الأخير طبعاً.
فلم يتم في أي وقت تعريف إسرائيل كدولة لمواطنيها، لأن ذلك سيعني وجوب اشتمال الفلسطينيين وإدماجهم. ولعل التغيير الوحيد الذي حدث الآن هو أن ممارسات التمييز المستمرة تم ترسيخها الآن في القانون. لكن هذا القانون يظل زائفاً على كل حال.
ليس هناك «شعب» يهودي من الأساس، ناهيك عن وجود «أمة» يهودية. اليهودية ديانة وليست قومية وكل إسرائيلي قدم من وطنه القومي إلى فلسطين الوطن القومي للفلسطينيين. فكيف يستقيم أن تكون إسرائيل وطناً قومياً لأناس لا رابط بينهم إلا الدين؟
الذي دفَع بهذا القانون هو بنيامين نتانياهو، وهو من قطيع المستوطنين البولنديين، وابن بنزيون نتانياهو، الذي كان قد عمل سكرتيراً خاصاً للأوكراني اليهودي فلاديمير جابوتنسكي أحد الآباء المؤسسين للحركة الصهيونية. بدلاً من ذلك، ظلت دولة المستعمرين الصهاينة غرسة اصطناعية عنصرية، بتشابهات أيديولوجية مع ألمانيا النازية وجنوب أفريقيا العنصرية. وهي لا تعيش وتستمر بالقانون أو العدالة أو الأخلاق، وإنما بالقوة الوحشية.
سبعون سنة ولم يتعظ اليمين الإسرائيلي إن عمر إسرائيل قصير وبقاؤها مستحيل. وحين يقول نتانياهو إن الدولة اليهودية هي الضمان لتثبيتها كدولة فإنه يجر العربة إلى الهاوية ويسرّع في أفول المشروع الصهيوني القائم أصلاً على كذبة «أرض بلا شعب».
من حسن حظ نتانياهو والمتطرفين، لكن من سوء حظ إسرائيل، أن ساكني البيت الأبيض الأميركي في هذه المرحلة، هم من غلاة التطرف الصهيومسيحي. وينفذون على الأرض ما ترددت الإدارات الأميركية السابقة في تنفيذه، كما تبجح ترامب بشأن نقل السفارة من تل أبيب إلى القدس.
فقد كشفت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية النقاب عن سعي حثيث لصهر الرئيس الأميركي مستشاره الخاص اليهودي جاريد كوشنير لإغلاق وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «أونروا»، وحصر اللاجئين الفلسطينيين فيمن عاش فترة اللجوء فقط.
وذكرت المجلة أن هذا الأمر يتضح أخيراً من خلال مراسلات إلكترونية بين كوشنير ومسؤولين أميركيين عدة بينهم المبعوث الأميركي للشرق الأوسط «جيسون جرينبلات»، إذ أكد فيها ضرورة القيام بجهود بهدف التشويش على عمل «أونروا». وزعم كوشنير في مراسلاته أن «أونروا منظمة فاسدة وغير فعّالة وأنها تخلد الأمر الواقع ولا تساعد في صنع السلام في المنطقة»، مشيراً إلى أنه يهدف إلى تغيير الأمر الواقع ووقف تخليد قضية اللاجئين. وبحسب الصحيفة فجهود كوشنير جزء من مساعي الإدارة الأميركية لإلغاء مكانة اللاجئين الفلسطينيين واستبعاد القضية من جدول أعمال المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، إذ سيصوت الكونغرس قريباً على قانونين جديدين بهذا الخصوص.
وكانت صحيفة عبرية كشفت عن سعي أعضاء في الكونغرس أخيراً لبلورة مشروع قانون يقلص الدعم الأميركي المقدم لـ«أونروا» بشكل كبير عبر الاعتراف بعدد ضئيل جداً من الفلسطينيين كلاجئين.
وبحسب ما نشرته صحيفة «إسرائيل اليوم» فقد أوصى تقرير سري أميركي باعتماد عدد مقلص جداً من الفلسطينيين كلاجئين يصل إلى 40 ألف فلسطيني فقط، وهو عدد الفلسطينيين الذين ما زالوا أحياء منذ نكبة 48.
وبينت أن لدى الكونغرس توجه باعتماد الصيغة الأميركية المشددة بالتعامل مع اللاجئين الفلسطينيين أسوة باللاجئين حول العالم، إذ سيعتمد الفلسطينيون الذين هُجروا من ديارهم خلال النكبة دون الاعتراف بأبنائهم أو أحفادهم كلاجئين.
لكن.. ليت كوشنير يسمع ما قاله لي حفيدي ابن الأربع سنوات ومن الجيل الرابع لنكبة 48 حين سألته: من أي بلد أنت؟ قال: أنا فلسطيني.
كاتب أردني