فضحت حادثة استهداف ميليشيات الحوثي لمستشفى الثورة وسوق السمك في مدينة الحديدة الوجوه المستترة، وأظهرت حقيقة المواقف سواء لمنظمات الأمم المتحدة أو للقوى الدولية التي ترى في الأزمة اليمنية فرصة لممارسة كل أنواع الابتزاز السياسي والعسكري وإن كان على حساب شعب يعاني الفقر والجهل والجوع على مدار عقود من التخبطات السياسية التي أوصلت اليمنيين إلى قاع الدول في العالم.
لقد عرفنا ميليشيات الحوثي من خلال انتهازيتهم وسقوط القيم الأخلاقية لديهم، لم تكن الحادثة الإجرامية سوى واحدة من سلسلة جرائم تصنف تحت بند الانتهازية الرخيصة، فكل اليمنيين ما زالوا يتذكرون أن الحوثيين دخلوا إلى العاصمة صنعاء بمجاميعهم الكبيرة في 2014م تحت شعار إسقاط الجرعة الاقتصادية التي قضت برفع أسعار الوقود، تسلل الحوثيون إلى صنعاء وجمعوا حولهم الآلاف من شباب الأحزاب السياسية الذين كانوا يعتقدون أن الحركة الحوثية تهدف للوقوف إلى جانب الشعب الذي كان يعاني من ارتفاع الأسعار قبل الجرعة الاقتصادية.
من خلال اعتصامهم عمل الحوثيون على إدخال الأسلحة إلى المعتصمين وعندما حانت ساعة الصفر بدأت المجاميع في الانتشار داخل أحياء صنعاء واستحدثوا النقاط العسكرية في كل الشوارع حتى أحكموا قبضتهم على العاصمة ووضعوا الرئيس عبدربه منصور هادي ونائبه خالد بحاح تحت الإقامة الجبرية، حدث ذلك تحت أنظار المبعوث الأممي الأسبق جمال بن عمر، الذي منح الحوثيين الغطاء الأممي ليتحركوا من صعدة، ويسيطروا على القرى والمدن الواحدة تلو الأخرى، فمن عمران إلى صنعاء والحديدة وحتى العاصمة الجنوبية عدن زحف الحوثيون وكان جمال بن عمر ما زال يواصل حواراته مع الأطراف السياسية اليمنية، ويرفع تقاريره إلى مجلس الأمن الدولي حتى أعلنت عاصفة الحزم (مارس 2015م) لتضع حداً للعبث الأممي في الملف اليمني.
كان الانقلاب الحوثي وسيبقى شكلاً من انتهازية هذه الجماعة، لذلك ما افتعلته في الحديدة من استهداف إجرامي للسكان المدنيين في المستشفى وسوق السمك قبل ساعات من انعقاد جلسة مجلس الأمن الدولي وتقديم المبعوث الأممي مارتن غريفيث إفادته حول نتائج جولاته واطلاع المجتمع الدولي على ما يمكن أن يسهم به لدعم العملية السياسية في اليمن، فهذا يؤكد أن هذه الجماعة تفتقد إلى المبادئ والقيم الأساسية للحكم أو حتى المشاركة في حكم الدولة، فاستخدام هذه الأساليب الإجرامية سلوك عصابات لا تضع أي قيمة أو وزن لما سيترتب على أفعالها سوى أن تحقق لها مكاسبها غير المشروعة.
لم يتأخر التحالف العربي بنشر إثباتات الإدانة لميليشيات الحوثي بعد أن عقد المتحدث باسم تحالف دعم الشرعية العقيد تركي المالكي مؤتمراً صحافياً عاجلاً أثبت فيه عبر صور الأقمار الصناعية والفيديوهات التي بثتها قناة المسيرة التابعة لميليشيات الحوثي وعرض صور من بقايا قذائف الهاون التي تستخدمها ميليشيات الحوثي، كل هذه الإثباتات التي تدين الحوثيين لم تجد لدى أطراف الضغط الأوروبية تحديداً آذاناً تصغي، فالأمم المتحدة التي ما زالت ترفض نقل مكاتبها إلى عدن وتحويل المساعدات الإنسانية والإغاثية إلى ميناء عدن هي جزء من خلل كبير لا يمكن التغاضي عنه في هكذا مواقف.
ولولا مواقف السعوديين والإماراتيين في المحافل الدولية وخاصة في دورات انعقاد مجلس حقوق الإنسان لحدث ما لا يحمد عقباه، حيث كان هناك تجاهل لجرائم ميليشيات الحوثيين التي تبدأ بتجنيد الأطفال واستخدام المدنيين دروعاً بشرية وزراعتهم لأكثر من مليون لغم بري وبحري يضاف إلى ذلك مجازرهم التي ارتكبوها في عدن (يوليو 2015م) وتحديداً مجزرتي ميناء التواهي ودار سعد، وهي التي صنفت من قبل منظمات الأمم المتحدة على أنها جرائم حرب، هذه الجرائم وغيرها لم تلقَ اهتماماً كافياً على الصعيد الأممي وتركت للحوثيين الاستمرار في ارتكاب الجرائم دون ملاحقة دولية.
موقف الاتحاد الأوروبي تجاه حادثة الحديدة وغيرها من منظمات الأمم المتحدة كشهود الزور الذين يعرفون المجرم ويمتلكون كل الأدلة ضده، ولكنهم يشهدون معه في سبيل استمرار الابتزاز السياسي والمالي والإصرار الدولي على معاملة الحوثيين طرفاً سياسياً متجاهلين أن الحوثيين يمثلون أقل من 3% من الشعب اليمني ولا يملكون حصة برلمانية معتبرة يمكن الاستناد إليها سياسياً، وأن قوتهم هي من استحكامهم بالسلاح وفرضهم للواقع بالانقلاب.