«مستقبل كل شيء» هكذا صنّف الخبراء تقنية «بلوك تشين»، وستغير بلا شك الطريقة التي نرى بها هذا العالم الذي يواجه صعوبة مع التكنولوجيا غير الآمنة والقديمة، بانتظار تقنية «بلوك تشين» لتصبح الإنترنت الجديد.
يعرف الإنترنت هذه التكنولوجيا الجديدة على أنها سجلّ مشترك يسجل العمليات بين طرفين او أكثر بشكل فعال، بتكلفة أقل وبطريقة مضمونة، وبالرغم من الإشادة بها واعتبارها أكثر التقنيات إثارة للقلق في وقتنا الحاضر، إلا أنها تبقى الأكثر شمولية.
يمكن وصف تقنية «بلوك تشين» التي تقف وراء العملة الرقمية بأنها السجل الذي يمكن إيجاده في كل جهاز ومتى تم تغيير السجل يتم تعديل البيانات في كل جهاز يحتوي على ذلك السجل، وبمعنى آخر فإن هذه التقنية تسمح بتوزيع البيانات الرقمية ولكن دون نسخها.
تم تصميم تقنية «بلوك تشين» ليكون لها دوراً كبيراً في كافة القطاعات، وتعد الملكية الفكرية أحد هذه القطاعات.
إنه من الصعب جداً التخيل أنه بحلول العام 2030 وعندما يرغب مالك علامة تجارية ما بتسجيل علامته في بلد ما فإنه سيقوم بإرسال التعليمات عن طريق البريد الإلكتروني بالإضافة إلى الوثائق المطلوبة لوكيل في تلك البلد والذي بدوره سيقوم بإيداع ذلك الطلب في مكتب العلامات المحلي ودفع الرسوم الحكومية ثم تقديم تقرير بكل ذلك إلى مالك العلامة التجارية. كما أن عملية إرسال الفواتير والدفع من خلال الحوالات المصرفية مع فروقات سعر صرف والصعوبات الأخرى ستجعل هذا السيناريو أقرب إلى المستحيل، خصوصاً بعد كل ما شهدناه في السنوات القليلة الماضية من تسونامي في التقنيات والتطبيقات الجديدة، مثل «بلوك تشين» والذكاء الاصطناعي وإنترنت الأشياء وغيرها الكثير.
الملكية الفكرية
تمثل كل من العلامات التجارية وبراءات الاختراع والتصاميم وحقوق المؤلف وتصاميم الدوائر المتكاملة والأصناف النباتية والمؤشرات الجغرافية ما هو معروف بحقوق الملكية الفكرية، وكل هذه الحقوق هي أصول غير ملموسة، وبالنسبة للشركات العملاقة العالمية فهي أثمن الأصول.
إن هذه الاصول يتم تسجيلها في السجلات الحكومية للدولة لإثبات ملكيتها. وحالياً يعتبر السجل هو الدليل الوحيد على الملكية الذي يمكن توفيره لأصحاب الملكية الفكرية.
وباختصار، فإن نموذج العمل الحالي للتواصل وحماية حقوق الملكية الفكرية هو كالتالي: (مالك حقوق الملكية الفكرية) ← (وكيل الملكية الفكرية) ← (مكتب الملكية الفكرية المحلي) ← (وكيل الملكية الفكرية) ← (صاحب حقوق الملكية الفكرية)، والذي قد يبدو وظيفياً وكان فعالاً نسبياً خلال مئات الأعوام القليلة الماضية، ولكن من غير المرجح أن يستمر في غضون 10-20 سنة القادمة بسببالبعد الشاسع ما بين نموذج العمل الحالي وبين ما يتم حاليا من استخدام تقنيات هائلة لإنجاز الأعمال الأخرى (مثل حجوزات الطيران ومبيعات التجزئة عبر الإنترنت) والمتوقع أن تتضاعف هذه التقنيات والبرمجيات عدة أضعاف مما يجعل طريقة العمل الحالية أشبه بالعصور الوسطى.
«بلوك تشين» والملكية الفكرية
تقنية «بلوك تشين» في أبسط صورها هي سجل رقمي مشترك بين جهازين، وهي قليلة التكلفة وتتطلب تدخلاً بشرياً قليلاً أو معدوماً، محصنة من الاحتيال، لا يملكها مستخدم واحد وغير مركزية (تماماً كالإنترنت) لتتبع الملكيات والمعاملات.
ويمكن تطوير السجل لفهرسة أية أصول مثل العقارات والفن والماس، أو حتى الصور، كل هذه الأصول تماماً كالملكية الفكرية.
وبالمثل، إذا رغبت شركة على سبيل المثال بتسجيل علامة تجارية بإيداع العلامة في دولة ما «القيد» وتم تحديد العلامة التجارية والصنف ومقدم الطلب والبلد المنوي الحماية فيه، إلخ… فإنه يمكن تسجيل معاملة هذا الطلب الجديد على «بلوك تشين»، ويتم بث هذه المعاملة إلى كافة «الأجهزة» التي تحفز «الخوارزميات» للقيام بالتحقق من المعاملة. إمكانيات هذه الخوارزميات وأدوات الذكاء الاصطناعي لا حدود لها ويمكنها التعامل مع أي شكل من المتطلبات.
العقود الذكية هي أحد المكونات الأساسية لتقنية «بلوك تشين»، والتي تضيف وظائف لتسهيل التنفيذ التلقائي وإنفاذ شروط العقد المتعلق بالتراخيص والامتيازات والتنازل والدمج والرهن المتعلق بالملكية الفكرية بالإضافة إلى غيرها الكثير. لقد تم برمجة شروط العقد مسبقاً بحيث يتم تخفيض عبء إحكام شروط العقد.
وفي الختام فإن الأهم من ذلك هو استخدام العملات الرقمية لإتمام كل تلك التعاملات. ويمكن القيام بذلك عن طريق استخدام عملة رقمية خاصة للملكية الفكرية مثل «عملة الملكية الفكرية» أو عمله رمزيه مع مبلغ ثابت «عملة رمزية للعلامات التجارية».
الملكية الفكرية مستقبلاً
من أجل توضيح الصورة أكثر، ولأغراض الشرح فإن هذا الجزء من المقال سيتناول تسجيل العلامات التجارية، غير أن هذا قد ينطبق على كافة أشكال حقوق الملكية الفكرية. يوجد هيئات عالمية كبيرة تعتبر رائدة في الحفاظ على تسجيلات العلامات التجارية مثل مكتب الولايات المتحدة لبراءات الاختراع والعلامات التجارية، ومكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية، والمكتب الياباني لبراءات الاختراع، بالإضافة إلى أكثر أنظمة العلامات التجارية تقدماً في العالم مثل المنظمة العالمية للملكية الفكرية (وايبو).
وأياً من هذه الهيئات، وايبو على سيبل المثال، يمكنها تطوير تقنية «بلوك تشين» جديدة للعلامات التجارية باستخدام التسجيلات الموجودة حالياً وإضافة التسجيلات الجديدة على تقنية «بلوك تشين» الخاصة بها.
وبناءً على هذا الإنجاز فإنه يمكن للدول الأعضاء في وايبو إصدار تشريعات تعترف وتقر بهذا السجل الرقمي المشترك الجديد كسجل قانوني للموافقة على إيداعات الملكية الفكرية حول العالم. والفكرة هي أن الهيئات التنظيمية الحكومية الحالية ستستخدم قواعد بيانات وايبو كحل لتطوير أنظمتها الحالية ذات العلاقة بإيداع حقوق الملكية الفكرية. ويمكن للحكومات المحلية لاحقاً استبدال سجلاتها الوطنية المحلية بتقنية «بلوك تشين» التابعة لوايبو وذلك بهدف الحد من التكرار والنفقات والافتقار إلى الكفاءة.
يمكن للهيئات التنظيمية المحلية تطوير السياسات والتشريعات التي تعزز وتيسر وتدمج تقنية «بلوك تشين» في دولها بهدف الحصول على شبكة متكاملة.
الخلاصة
إن تطبيق تقنية «بلوك تشين» على تسجيل أصول الملكية الفكرية هو حل فعال للحد من القصور المتأصل في العملية الحالية.
ربما قد ينتهي العالم يوماً ما «بسجل علامات تجارية عالمي رقمي مشترك» يستخدم ويفعل في كافة أنحاء العالم، في حين يتم إدارة الفحص وكافة الإجراءات الأخرى بواسطة الذكاء الاصطناعي، والتحكم بالمعاملات من قبل العقود الذكية، ويتم دفع الرسوم الرسمية وأية رسوم أخرى بالعملة الرقمية. لندع الأيام القادمة تخبرنا بذلك.
حظ سعيد للملكية الفكرية