نون والقلم

السيد زهره يكتب: سباق التقدم الذي خسرناه

قبل نحو أسبوعين، نشرت مجلة «إيكونوميست» البريطانية تقريرا عنوانه «الدول العربية تخسر سباق التنمية التكنولوجية». المناسبة هي صدور «مؤشر الابتكار العالمي» واحتلال الدول العربية مراكز متأخرة فيه.

مؤشر الابتكار العالمي تضمن ترتيب 126 دولة في العالم من حيث درجة التقدم في الابتكار والتنمية التكنولوجية، بناء على معايير اقتصادية واجتماعية كثيرة مثل، الإنفاق الحكومي على التعليم، والوصول إلى تكنولوجيا الاتصالات، والاستقرار السياسي، وسهولة إنشاء المشاريع الاقتصادية، وبراءات الاختراع.. وهكذا.

تقرير «إيكونوميست» يلاحظ احتلال الدول العربية مراكز متأخرة في المؤشر، ويركز بصفة خاصة على دول الخليج العربية، ويسجل هنا مفارقة يتوقف عندها.

يقول التقرير إنه من المفترض كمبدأ عام أن الدول الغنية تكون أكثر تقدما وإنتاجية في مجالات الابتكار والتقدم العلمي، والثقافي، والتكنولوجي، من الدول الفقيرة.

سبب هذا أنه من المفترض أن الدول الغنية تستخدم الثروة التي بحوزتها من أجل تمويل البحوث والتنمية العلمية والتكنولوجية، ومن أجل بناء الرأسمال البشري، من خلال التعليم العام والرعاية الصحية ودعم وتشجيع العلم والعلماء والباحثين.. وهكذا.

لكن المفارقة هنا التي يرصدها التقرير هي أن دول الخليج العربية، وهي دول غنية، وكان من المفترض أن تحتل مكانة متقدمة في هذه المجالات، إلا أنها احتلت مراكز متأخرة في مؤشر الابتكار العالمي على عكس المتوقع.

يقول التقرير إن دول الخليج العربية لديها الكثير من المزايا والمقومات التي من المفروض أن تقودها إلى التقدم في مجالات الابتكار والتقدم التكنولوجي، فهي تمتلك الثروات المادية، ومعدل دخل الفرد فيها أكبر من دولة عظمى مثل أمريكا، كما أن هذه الدول استثمرت كثيرا في البنية التحتية المحلية التي تسهل انتقال البضائع والأفكار داخل حدودها.

ورغم هذا، فشلت دول الخليج العربية في احتلال مراكز متقدمة كما كان مفترضا على مؤشر الابتكار العالمي.

لكن، كيف يمكن تفسير هذه المفارقة؟.. ما الأسباب والعوامل التي تقف وراء هذا الإخفاق؟

تقرير «الإيكونوميست» يشير بداية إلى أنه بحسب معايير مؤشر الابتكار، فقد ثبت أن دول الخليج العربية متخلفة عن الدول الغنية الأخرى في مجالات مثل، قوة المؤسسات الحكومية – ورأس المال البشري، وإنتاج التكنولوجيا الحديثة.

لكن يظل السؤال مطروحا؟.. لماذا تتخلف في هذه المجالات؟

التقرير يشير باقتضاب شديد إلى ثلاثة عوامل يمكن أن تفسر هذا التخلف، هي:

1- عامل يتعلق بالاستقرار السياسي وقوة واستقرار المؤسسات الحكومية.

2- وعامل يتعلق بالشفافية والحكم الصارم المفترض للقانون.

3- وعامل يتعلق بضعف الإنتاجية.

ويتوقف التقرير بالذات عند العامل الأخير، أي ضعف الإنتاجية.

يقول إن دول الخليج العربية تتمتع بنفس مستويات الدول الغربية في مجال الاستهلاك، لكنها تتخلف كثيرا عن هذه الدول في مجال الإنتاج.

ويفسر هذا التخلف في الإنتاجية، بالاعتماد على مداخيل النفط والغاز أساسا وتخلف القطاعات الإنتاجية الأخرى، وبتوزيع الثروة في شكل وظائف حكومية سهلة، ومزايا كثيرة يتم تقديمها للمواطن مثل دعم الغاز والكهرباء والماء.. وهكذا.

يريد التقرير أن يقول هنا صراحة إن المجتمعات الخليجية مجتمعات مستهلكة وليست منتجة، وإن الضعف الشديد لانتاجية المواطن في دول الخليج العربية مشكلة كبرى، وبالتالي ضعف كل قطاعات الإنتاج غير النفطية.

ولهذا يعتبر التقرير أن الطريق مازال طويلا جدا أمام دول الخليج العربية في سعيها لتقليل الاعتماد على النفط.

هذا أهم ما طرحه تقرير الإيكونوميست عن هذه القضية المهمة.

بالطبع، هناك عوامل أخرى لم يشر إليها التقرير، في مقدمتها أن دولنا تعيش في حروب وصراعات مستمرة، وعليها أن تتعامل مع أخطار وتهديدات جسيمة لأمنها، وكل هذا يستنزف مواردنا، وعلى حساب عملية التنمية والتقدم.

وبالطبع، ليس هذا عذرا. فالحادث أن دولنا لا تعطي أصلا للتقدم العلمي والتكنولوجي ما يستحق من اهتمام. ويكفي مثلا أن الدول العربية هي أقل دول العالم على الإطلاق من حيث نسبة الإنفاق على البحوث العلمية.

عموما، القضية ليست جديدة، وعشرات الأبحاث والتقارير العربية نبهت إليها منذ سنوات طويلة. ومع هذا، فإن تقريرا مثل تقرير الإيكونوميست هذا المفروض أن ينبهنا مجددا إلى تخلفنا في المجال العلمي والتكنولوجي والإنتاجي، وإلى الأهمية الحاسمة لتجاوز هذا التخلف.

نقلا عن صحيفة اخبار الخليج البحرينية

أخبار ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى