كل جوار فلسطين، تم اهلاكه بطرق مختلفة، اما بالحروب والازمات والفوضى، واما بالتشظية والتقسيم، او الاغراق بالديون والتجويع الاقتصادي والافساد البنيوي والصراع السياسي .
الا تلاحظون ان خزان الدم لفلسطين في كل جوارها، من العراق الى سوريا، مرورا بلبنان، وصولا الى مصر والاردن، تم ارهاقه بطرق لا تخطر على بال احد، واذا كانت كل هذه الدول، فيها اساسا نقاط ضعفها وهشاشتها العادية، مفهومة، فقد تم اضعافها اكثر، فوق ما فيها، بشراكة غير معلنة بين اسرائيل ودول اخرى في هذا العالم، وانظمة ورموز، اضافة الى ما في هذه المنطقة اساسا، من قابلية للارهاق.
كلمة السر في المنطقة، هي فلسطين، ليس لانها مقدسة، وحسب، ولا لانها فوق البشر وما حولها، لكن لكون الاحتلال هو اصل المشكلة، فهو احتلال لا يدوم، الا بتخريب كل جوار فلسطين المحتلة، وتشظية البنية الفلسطينية ذاتها الى مجموعات، من جماعة غزة، الى جماعة الضفة، مرورا بجماعة القدس، وصولا الى جماعة الثمانية والاربعين، وجماعة لبنان، وجماعة سوريا، وجماعة هذا التنظيم او ذاك، وهو واقع لا ينكره احد ابدا، اذ بات كل شيء في المنطقة قابلا للقسمة على اثنين.
اسرائيل تدرك جيدا ان خلعها ذات يوم، مستحيل، بيد الفلسطينيين وحدهم ، لان هؤلاء اسارى تحت الاحتلال، وكل ما يفعلونه من فعل ضده، عظيم ومقدر، لكن انهاء الاحتلال ذاته، جذريا، بحاجة الى شركاء دم، وكل هؤلاء في جوار فلسطين المحتلة، ولا يمكن ان تسمح اسرائيل لهم، بالاستقرار، ولا العيش، ولها رجالها في كل مكان، ممكن أن ينفذوا مخططاتها، تحت عناوين مختلفة.
هذه ليست أسطرة لاسرائيل، ولا تعظيما لها، لكنها الحقيقة التي بات يرددها كثيرون، بذريعة انهم تعبوا من نظرية المؤامرة، لكن الواقع يقول ان كل نقاط ضعف المنطقة، تم تثويرها بوسائل مختلفة، من اجل هدمها، وما نراه في كل الهلال الخصيب ومصر، من استهداف، ليس مفصولا عما يخطط لكل المنطقة، ومن الطبيعي حين نقر ان خزان الدم لفلسطين، ممتد بهذه الطريقة، ان نعترف ايضا اننا امام ما هو اعظم، اي هدم كل المنطقة، تمهيدا لمراحل اضافية من الظهور الاسرائيلي في المشرق العربي.
جوار فلسطين المنهك والمرهق والمتعب، جراء الاقتتال والحروب والفوضى والدم والديون والفساد والصراعات، وغير ذلك، هذا كل ما تريده اسرائيل، من اجل اشغال كل هذه الشعوب، بصراعاتها ومشاكلها، ولدينا نموذج حي اليوم، فالمسجد الاقصى يستباح يوميا، ويدخل جنود الاحتلال اليه بأحذيتهم، ويهينون اكثر من مليار ونصف المليار مسلم، ويدوسون على وجوهنا، لكن لا احد يهتم، لان الكل مرهق، بعضهم في حروبه الدينية والمذهبية والطائفية، وبعضهم في الصراع على السلطة، وبعضهم في ملاحقة رغيف الخبز، والكد مثل العبيد من اجل العيش، ومع هؤلاء شعب فلسطين الذي احتمل على مدى سبعين عاما، ما لم يحتمله احد، ودفع ثمنا كبيرا جدا، ولا يلقى اليوم، الا اللوم، في حالات، او التشجيع على الاستشهاد في حالات اخرى.
لا يمكن لفلسطين، ان تنفصل عن جوارها، وعن امتها، وكل مخطط الفصل، وفلسطنة فلسطين، بجعلها ملفا محصورا بالفلسطينيين وحدهم، مخطط قبيح، لان ارهاق الفلسطينيين ذاتهم وصل حدا كبيرا لولا اضاءات مشرقة هنا وهناك، فيما كل جوار فلسطين يتم تركيعه بوسائل مختلفة، حتى ينفصلوا عن جسدهم القومي والديني، وينشغلون بكل شيء، عدا اصل البلاء في هذه المنطقة.
يقال كل هذا الكلام، حتى ندرك ان المستفيد الوحيد مما يجري هي اسرائيل، وان فلسطين لا يمكن ان تعود لامتها وجوارها، وهذا الجوار مبتلى وغير معافى، وان اصل القضايا، وجود اسرائيل، وبدون معالجة هذا الجذر وخلعه، لا يمكن ان تسترد هذه المنطقة روحها.