أزمات متلاحقة وضغوط اقتصادية متتالية يعيش في رحاها المواطن المصري، مُثقلاً كاهله بأعباء والتزامات تزداد في المواسم والأعياد.
واعتاد المصريون في عيد الأضحى شراء الملابس الأنيقة، والحلوى، واشتراك بعضهم بأضاحٍ، إلا أن الحالة الاقتصادية المتردية التي نتجت عن ارتفاع الأسعار، وإلغاء المنح التي كان يحصل عليها الموظفون بالتزامن مع تلك المواسم، خطفت تلك العادة من المواطن المصري.
وبحسب العادات المصرية، فإنه وقبل بدء موسم الشتاء تشرع الأسر بشراء الملابس الثقيلة والأحذية التي تحمي الكبار والصغار من الصقيع، إلا أن أصحاب المحلات التجارية أكدوا أن سوق بيع الملابس الشتوية هذا العام يتسم بالكساد، لا سيما أن عيد الأضحى كان بمثابة الموسم وبداية الإقبال على تلك الملابس.
ويُقبل عيد الأضحى هذا العام بالتزامن مع دخول الطلاب المدارس وحاجة الأسر لدفع المصروفات الدراسية وشراء المستلزمات لتلك المواسم، يعقبها دخول فصل الشتاء، الذي يتوقع الخبراء أن يكون أسوأ شتاء يمر على مصر منذ ثلاثين عاماً؛ نتيجة الاحتباس الحراري.
حسين عبد الرؤوف، صاحب مكتبة أدوات مدرسية، أكد أن أسعار المستلزمات المدرسية بما فيها الحقائب المدرسية، ارتفعت أكثر من 20% بالمقارنة بالعام الماضي.
ولفت، في حديثه ، إلى أن الإقبال على شراء الأدوات المدرسية هذا العام ضعيف، موضحاً أن الكثير من الأسر كانت تشتري مستلزمات العام الدراسي دفعة واحدة لجميع الأبناء في بداية العام الدراسي.
وأوضح عبد الرؤوف، أن البعض لجأ هذا العام لشراء الاحتياجات الهامة بكميات تكفي أبناءهم لفترة قصيرة نتيجة ارتفاع الأسعار.
في السياق ذاته، أشارت شيماء عزيز، الموظفة بأحد المجالس المحلية، إلى أن لديها ثلاثة أولاد في مراحل تعليمية مختلفة، وأن ارتفاع الأسعار الذي يشهده السوق المصري بشكل عام يؤثر على الحالة الاجتماعية لأسرتها.
وأوضحت في حديثها لـ”الخليج أونلاين” أن بدء العام الدراسي يتزامن مع عيد الأضحى المبارك ودخول فصل الشتاء، وأن أسرتها تحتاج أكثر من ضعفي الدخل الأساسي لتلبي احتياجات أولادها في تلك المواسم.
ولفتت إلى أنها وزوجها لم يحصلا على المنح السنوية التي اعتاد الموظفون أن يحصلوا عليها في بداية العام الدراسي وفي الأعياد والمناسبات.
وأشارت شيماء إلى أن أسعار المستلزمات المدرسية ارتفعت بشكل كبير، مع أنهم اشتروا تلك المستلزمات من “الفجالة” حيث تباع الأدوات المدرسية بأسعار الجملة، إلا أن سعرها ارتفع بشكل ملحوظ عن العام الماضي.
وألمحت إلى أن أولادها يدرسون بمدارس خاصة، وأنهم يحتاجون إلى عشرين ألف جنيه كمصاريف للمدارس تُدفع قبل بدء العام الدراسي، وأن أسرتها وفرت ذلك المبلغ بالاشتراك في “جمعية” مع الأصدقاء منذ نهاية العام الدراسي الماضي.
كما لفتت شيماء إلى ارتفاع أسعار الزي المدرسي لأولادها الذين يدرسون بالمرحلة الابتدائية والإعدادية، بنسبة 30% عن العام الماضي، ما دفعهم لشراء طقم واحد لأحد أبنائها المقبل على المرحلة الإعدادية، على أن يحضر ابناها الآخران بالزي المدرسي للعام الماضي.
وأوضحت أنهم اشتركوا مع أحد أصدقاء زوجها في أضحية العيد؛ نظراً للظروف المادية السيئة التي تعاني منها أسرتها، وأنها اشترت لأولادها أحذية جديدة لقضاء العيد وحضور المدارس بها، واكتفت بأن يقضي أبناؤها عيد الأضحى بملابس عيد الفطر الماضي.
معاناة المواطنين تزداد
الخبير الاقتصادي، سرحان سليمان، أكد أن معاناة المواطن المصري ازدادت منذ 30 يونيو/حزيران 2013، وذلك لاتجاه الحكومة لإلغاء الدعم، بالتزامن مع تضخم الجنيه.
ولفت في حديثه، إلى أن المواطن المصري لا يمكنه هذا العام الحصول على متطلبات المعيشة والاستهلاك التي اعتاد عليها في المناسبات الرئيسية في الأعوام السابقة؛ بسبب انخفاض القيمة الحقيقية لدخل الفرد، فأصبح من غير الممكن أن يحصل على نفس المواد بنفس الدخل.
وأوضح سليمان أن المواطن المصري لا يمكنه تحسين مستواه المعيشي وتلبية احتياجاته الضرورية؛ بسبب عدم قدرة الحكومة على كبح جماح ارتفاع الأسعار.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الشريحة الكبرى من الشعب في تلك المناسبات تكون ناقمة على الحكومة التي لا تعنى بالفقراء، لافتاً إلى أن الحكومة لا تستطيع توفير المنح التي اعتاد المواطنون الحصول عليها؛ بسبب العجز الكبير في الموازنة وعدم توفر إيرادات لدى الحكومة لسد هذا العجز.
كما أشار إلى أن “الحكومة لجأت إلى سد جزء من هذا العجز بعدم الوفاء بما كانت الحكومات تلتزم به سابقاً، مع أن هذا الجزء من الصرف لا يمثل شيئاً بالنسبة للنفقات الحكومية”.
ولفت سليمان ، إلى أن تضخم سعر الجنيه تسبب في ارتفاع الأسعار، لا سيما سعر أضاحي العيد، متابعاً: “ورغم تأكيد الحكومة أنها استوردت 106 آلاف رأس ماشية، إلا أن الفقراء لا يستطيعون الحصول على اللحوم”.
وأوضح أن الحكومة الحالية لا تزال تستورد اللحوم المجمدة والمواشي بسبب العجز، مع أن الشعب المصري لا يميل لاستهلاك اللحوم المجمدة.
وتابع: “كان على الحكومة أن تقوم بمشاريع إنتاجية لتربية المواشي داخل مصر، لكنها لجأت إلى المستورد لرخص ثمنه ولارتفاع أسعار الأعلاف”.
اختفاء مظاهر العيد
وأوضح سليمان أن عيد الأضحى هذا العام له عدة ظواهر، منها استغناء البعض عن الأضاحي للحصول على سلع أكثر ضرورة لتزامن العيد مع دخول الطلاب للمدارس، واحتياج سداد مصروفاتها.
ولفت إلى أنه من المعتاد أن يكون هناك بهجة قبل دخول عيد الأضحى وأن يكون هناك إقبال على الشراء، موضحاً أنه من المتوقع أن تختفي مظاهر البهجة؛ بسبب ارتفاع الأسعار والحالة السياسية المتدنية التي يعيشها المجتمع، وكذلك العداء المجتمعي الناتج من الخلاف السياسي.