أشعة الشمس لم تعد حانية علينا، بل أصبحت قاسية وقاتلة!! لا يجوز بعد الآن أن تصف هيئة الأرصاد ارتفاع درجات الحرارة- عند عرضها المناخ الصيفى فى مصر- بأنه مجرد «موجة حارة» لأن الموجة تذهب وتعود، فهى متغيرة، قابلة للزيادة والنقصان، أما ما يحدث الآن فهو تغير مناخى سوف يستمر لسنوات طويلة، وقد يصبح هو المناخ السائد فى البلاد خلال العقود القادمة، وقد تزيد شهور الصيف، وتزداد درجات حرارة الجو خلال أيام هذا الفصل الذى تعلمنا فى المدارس أنه «حار جاف» ولكن يبدو أن أولادنا سوف يتعلمون أنه «حار قاتل» يتميز بالرطوبة ولا تتوقف حرارته عن الارتفاع!!
منذ سنوات قريبة، بعد ظهور موجات حارة متعددة خلال الصيف، كنت أمزح مع أصدقائى وأقول لهم: «لقد أصبحنا نمتلك نفس مناخ الخليج.. لكن بدون بترول»!! ويبدو أن المزحة أصبحت حقيقة، ولكن بدون استعداد، فمازلنا نتعامل مع هذه الحرارة باعتبارها ضيفًا غريبًا، ولا يصدق أحد أنها ستصبح صديقًا يجب أن نتوافق معه، فكل التقارير والمعلومات تقول إن هذه هى الحقيقة التى يجب أن نقوم معها بتعديل أمور كثيرة فى حياتنا، بدءًا من طرق بناء المنازل بالمسلح، واستبدالها بوسائل بناء أخرى تتناسب مع التطور الحادث فى المناخ، ووصولًا إلى مواعيد العمل التى يجب تبكيرها حتى نبتعد عن أوقات الظهيرة القاتلة!!
الموضوع ليس مجرد ارتفاع درجة حرارة تعيق قدرة الأفراد على التعايش مع المناخ.. بل يوجد ما هو أخطر.. منذ عامين، أصدرت وزارة البيئة تقريرًا حول الأضرار المحتمل حدوثها فى مصر، إثر التغيرات المناخية التى تشهدها البلاد، ومنها ارتفاع درجات الحرارة، التقرير الذى أعيد عرضه عليكم قال إن هناك خمسة أضرار تنتج عن هذه التغيرات المناخية فى مصر، وهى:
التأثير على قطاع السياحة: حيث يؤدى ارتفاع منسوب مياه البحرين الأحمر والمتوسط إلى عدد من التداعيات السلبية على المشروعات السياحية والتى تزيد على 60 منتجعاً سياحيًّا وفندقاً عالمياً، بالإضافة إلى أن ارتفاع درجة حرارة المياه بالبحر الأحمر سيؤثر على الشعاب المرجانية ويهدد الكائنات البحرية، ما يصعب من عمليات الصيد، بالإضافة إلى نقص الشواطئ الصالحة للارتياد، وهو ما سيؤثر على الخدمات السياحية، ما يؤدى إلى سرعة تدهورها وبالتالى انخفاض معدلات السياحة وزيادة معدلات البطالة.
التأثير على الصحة: حيث يؤثر على الهواء النقى ومياه الشرب والغذاء والمأوى الآمن، وتغير المناخ يسهم بشكل مباشر فى حدوث الوفيات التى تنجم عن الأمراض القلبية والتنفسية وخصوصًا لكبار السن، كما أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدى إلى رفع مستويات حبوب اللقاح وسائر المواد الموجودة فى الهواء والمسببة للحساسية الشديدة، ويمكن أن يتسبب ذلك فى الإصابة بالربو.
التأثير على معدل سقوط الأمطار: فمن المنتظر أن تؤدى زيادة معدلات الحرارة والبرودة فى درجات الحرارة إلى تذبذب معدل سقوط الأمطار فى مصر وزيادة معدلات التصحر والجفاف، ما سيؤدى إلى انخفاض إنتاجية بعض المحاصيل الغذائية كالأرز والقمح وصعوبة زراعة بعضها، وزيادة الاحتياج إلى الماء نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع معدلات البخر واختفاء بعض الكائنات الحية وانتشار الأمراض المتعلقة بسوء التغذية.
غرق المناطق الساحلية: حيث إن ارتفاع درجات الحرارة فى مصر سيؤدى إلى غرق بعض المناطق الساحلية المنخفضة شمال الدلتا وبعض المناطق الساحلية الأخرى، بالإضافة إلى زيادة معدلات تغلغل المياه المالحة فى التربة وتداخل مياه البحر مع المياه الجوفية ونقص الإنتاجية الزراعية، كما أن غرق المناطق الساحلية ينتج عنه تهجير أكثر من 2 مليون شخص يعملون بالزراعة والصيد البحري، بالإضافة إلى ضياع 124 ألف فرصة عمل تقريبًا.
ارتفاع منسوب البحر: ارتفاع منسوب سطح البحر وارتفاع درجات الحرارة، يؤدى إلى نقص موارد المياه وتأثر الإنتاجية الزراعية وصعوبة زراعة بعض المحاصيل وتأثر المناطق السياحية، بالإضافة إلى أن ارتفاع مستوى سطح البحر من 18 إلى 59 سم، سيؤدى إلى غرق الدلتا وغرق المناطق الساحلية المنخفضة، إلى جانب تأثر مخزون المياه الجوفية القريبة من السواحل وتأثر السياحة والموانئ والتجارة، كما يؤدى إلى انخفاض إنتاجية بعض المحاصيل الزراعية كالأرز والقمح!!
ألم أقل لكم إننا سوف نعيش نفس مناخ الخليج.. لكن بدون بترول أو فلوس.. فهل توجد لدينا خطة لمواجهة ما هو قادم؟!