بكل وضوح، وفي مقاله بصحيفة معاريف يوم الخميس، يقول المحلل السياسي والخبير الأمني الإسرائيلي المعروف ألون بن دافيد: “لا يسافر نتنياهو إلى موسكو كي يوقف انتشار قوات الجيش الروسي في سوريا، بل يسافر كي ينسق فقط”. ويرى بن دافيد أن “روسيا هي دولة هدفها الربح. وهي لا تدَّعي إدارة سياسة اخلاقية، وليست لديها أي نية لأن تراعي مصلحة أجنبية لا تخدمها”. لكنه يرى أن “وقفتها إلى جانب الأسد بالذات تناسب المصلحة الإسرائيلية، فهي كفيلة بأن تؤدي إلى الاستقرار، والذي هو في هذه اللحظة السيناريو الأفضل من ناحية إسرائيل”، مضيفا “الاسد النازف والضعيف، سيبقى يحكم في دمشق وموانيء البحر. داعش سيبقى في الشرق، وحزب الله سيبقى منشغلا في سوريا”. في الموقف من النزاع في سوريا، قلنا مرارا إن خيار إسرائيل كان منذ البدء يتمثل في إطالة أمد النزاع لتدمير جميع الخصوم، ومنهم إيران وحزب الله وتركيا وربيع العرب، إلى جانب تدمير سوريا كدولة، وقد نجحوا في ترجمة هذا التوجه من خلال المواقف الأمريكية والغربية، واستخدموا السلاح الأمريكي (تهديدا) مرة واحدة بشكل واضح من أجل انتزاع السلاح الكيماوي، ونجحوا فيما أرادوا. لا يختلف عاقلان على أن العلاقة الروسية الإسرائيلية ممتازة، والكيمياء بين نتيناهو وبوتين في أعلى مستوياتها، ولو كانت سياسة موسكو في سوريا لا تخدم الرؤية الإسرائيلية لكان لتل أبيب موقفا آخر، لكنها كانت تصب في ذات التوجه ممثلا في إطالة أمد الحرب. اليوم، وفيما يترنح بشار، يأتي بوتين ليسانده، ولا يجد نتنياهو أية مشكلة في ذلك، ما دام الأمر يتم بالتنسيق الضروري، فبقاء بشار ضعيفا منهكا، وبمرجعية إيرانية متصالحة مع الغرب بعد اتفاق النووي هو الخيار الأفضل، قياسا بأية خيارات أخرى غير مضمونة. والحال أن ذلك ليس موقف إسرائيل وحسب، بل موقف أمريكا والغرب أيضا، وكل الكلام عن انتقادات أمريكية لروسيا ليست ذات قيمة. هل سمعتم مثلا في أي يوم انتقادا أمريكيا لمشاركة حزب الله في الحرب بسوريا؟ لم يحدث ذلك، لكن المصيبة أن أبواق الممانعة لا يتوقفون عند ذلك، لكأن واشنطن حريصة على “حماية ظهر المقاومة”، وفق تعبير حسن نصر الله. من الواضح هنا أن واشنطن والغرب يريدون بقاء بشار، وإيران ستكون في وضع أكثر تصالحا إذا مُنحت هذه الميزة، لأن المحافظين سيكونون في مأزق حقيقي إذا سقط النظام، وبالطبع لأن ذلك عنوان لفشل مشروعهم الذي بددوا فيه أموال الشعب. ما يثير السخرية في هذه الحكاية التي لا جديد فيها لمن يحب قراءة الأحداث بعين التحليل وليس الهوى، هو موقف بعض يساريي العرب، وربما قومييهم ممن يتعاملون مع بوتين بوصفه جيفارا، ووصل الحال بأحدهم حد الهتاف فرحا بأن “الجيش الأحمر في موسكو”، كأن الاتحاد السوفياتي قد ولد من جديد، ومعه المنظومة الشيوعية. بوتين يدافع عن مصالح روسيا، تماما كما أن إيران تدافع عن مشروع توسع مجنون، لكن ذلك لا يتم إلا في سياق يرضي الصهاينة الذين بوسعهم تغيير المواقف الأمريكية والغربية بسهولة في هذا الملف على وجه التحديد. أدعياء المقاومة والممانعة يخجلون من تذكر هذه الحقيقة، ولهم أن يقولوا تبعا لذلك إن نتنياهو ذهب إلى موسكو للتحاور مع بوتين حول أفضل السبل لتقوية محور المقاومة والممانعة، وليكن ضد “الإرهاب التكفيري” الذي يهدد الجميع. تبرير جيد!!! –
63 2 دقائق