نون والقلم

الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير

من المفارقات التاريخية لتاريخ فلسطين، محاولات الدول الاستعمارية الغربية والصهيونية الحيلولة دون قيام كينونة سياسية تحت أي مسمى تجسد الهوية الوطنية الفلسطينية. وقد تكون هذه المفارقة مقصودة ومرتبطة بالتلاقي بين أهداف الحركة الصهيونية والقوى الإمبريالية المتحكمة في المصير السياسي للمنطقة.

وفي وقتها كانت القوى الأوروبية هي المسيطرة على المنطقة، وهي التي رسمت الخارطة السياسية لدولها وفقاً لخرائط سايكس بيكو، لتوضع فلسطين عن قصد تحت الانتداب البريطاني الذي بدلاً من المساهمة في قيام فلسطين الدولة، عمل على تنفيذ وعد بلفور، لتنتهي التطورات بهذه السياسة إلى قيام ««إسرائيل»»كدولة، والحيلولة دولياً دون قيام فلسطين الدولة رغم القرار الأممي رقم 181 الذي ينص على قيام دولتين عربية ويهودية. ولم تكتف «إسرائيل» بما حدده القرار لها من حدود، بل قامت بأول حرب لها لتضم المزيد من الأراضي الفلسطينية المخصصة للدولة الفلسطينية، وما ترتب على هذه الحرب من تهجير قسري للفلسطينيين في العديد من الدول العربية، ولتبرز بالتالي مشكلة من يمثل الفلسطينيين، ويعبر عنهم.
كانت البداية قيام حكومة عموم فلسطين، التي قبلت في الجامعة العربية، ولكنها لم تستمر طويلاً، ووضعت غزة تحت الإدارة المصرية التي من أعظم إنجازاتها الحفاظ على الهوية الفلسطينية، أما الضفة الغربية فدمجت فى إطار المملكة الأردنية الهاشمية، لكن بقيت مشكلة الكينونة السياسية والتمثيل قائمة وملحة، لتؤسس منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964 والتي شكل تأسيسها مرحلة سياسية مهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، ونجحت المنظمة في الحصول على اعتراف عربي في البداية باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ونجحت دولياً في الحصول على اعتراف غالبية الدول بها، وتعاملت معها على أنها كينونة أي دولة فلسطينية، ونجحت أيضاً في بسط تمثيلها على كل الشعب الفلسطيني بقرار فك الارتباط الأردني بالضفة الغربية. والأهم نجاحها في إنشاء المؤسسات السياسية التمثيلية كالمجلس الوطني، والتنفيذية كاللجنة التنفيذية للمنظمة، والمجلس المركزي، إلى جانب العديد من الدوائر الخدماتية والوظيفية، وكلها شكلت نواة قوية للدولة الفلسطينية، وتمثيل الشعب الفلسطيني وتقديم الخدمات المختلفة له في الداخل والخارج.
ونجحت المنظمة في أن تكون الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. ومن المحطات المهمة إعلان الدولة الفلسطينية من الجزائر واعتراف أكثر من مئة دولة بها، والخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الراحل عرفات أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة حاملاً غصن الزيتون بإحدى يديه داعياً المجتمع الدولي ألا يسقطه. وتحولت منظمة التحرير إلى فاعل من الفواعل من غير ذات الدول المهمة إقليمياً ودولياً، وحظيت بوضع مراقب في الأمم المتحدة.
هذه المرحلة من الحيوية والفاعلية التي مرت بها المنظمة لم تستمر طويلاً، وخصوصاً بعد غزو العراق للكويت، والتحول في مكانة القضية كقضية سياسة وأمن عربي، لتنزلق في متاهات التسوية السياسية التي قد فرضت عليها، والتي جاءت في بيئة سياسية عربية ودولية غير دافعة، لتنتهي هذه المرحلة بمرحلة الاعتراف ب«إسرائيل»، وتوقيع اتفاق أوسلو وبداية مرحلة السلطة الفلسطينية التي حلت مؤسساتها الجديدة كالحكومة والمجلس التشريعي ورئاسة السلطة مكان مؤسسات المنظمة، وباتت العلاقة تعمل لصالح مؤسسات السلطة.
كان القاسم المشترك حركة فتح التي سيطرت على مؤسسات المنظمة والسلطة. واستمرت هذه المرحلة حتى عام 2006 وهو العام الذي قررت فيه حركة حماس المشاركة السياسية، وبفوزها في الانتخابات التشريعية بدأت حالة من الثنائية السياسية المتناقضة التي لم ينجح النظام السياسي في احتضان التحولات في بيئة النظام السياسي باستيعاب حركة حماس التي انتهى دورها بانفصالها بغزة وتمسكها بشرعية حكمها. ومن ناحية أخرى فشلت المنظمة أيضاً في احتضان حماس والجهاد في إطارها لتظهر حالة من الازدواجية السياسية التي انتهت بالحالة السياسية الى جدل حول فعالية منظمة التحرير، وتمثيلها لكل الشعب الفلسطيني. والآن تمر المنظمة باختبار وجود لبقائها وتمثيلها للشعب الفلسطيني، بعد القرار بدعوة المجلس الوطني للانعقاد وتشكيل لجنة تنفيذية جديدة، وفي أعقاب هذا التوجه من السلطة والرئاسة شهدت الساحة الفلسطينية حراكاً سياسياً للمطالبة بالتأجيل، لخطورة مثل هذا اللقاء في ظل بيئة سياسية تعاني الانقسام والصراع على الشرعية والتلويح من قبل حماس أكثر من مرة بتشكيل كيان سياسي جديد بديل، وعلى الرغم من قرار التأجيل الذي جاء كمخرج لهذه المعضلة السياسية التي كادت أن تعصف بالمنظمة وديمومتها، يبقى السؤال المهم هو في كيف يمكن الارتقاء بمنظمة التحرير والتأكيد على وحدانيتها في تمثيل الشعب الفلسطيني، واعتبارها المرجعية السياسية الفلسطينية الشرعية العليا؟
الإجابة تحتاج إلى علاج سياسي ناجع يعالج الانقسام الفلسطيني، من خلال توسيع دائرة المشاركة في المنظمة لتشمل جميع القوى السياسية بما فيها حماس والجهاد، وتفعيل مؤسسات المنظمة، ودعوة الإطار القيادي المؤقت لوضع خريطة عمل سياسي فلسطيني تنتهي بالانتخابات السياسية العامة لكل مؤسسات السلطة والمنظمة، وبهذا يمكن تجديد الشرعية السياسية وصياغة قانون جديد يحدد طبيعة العلاقة بين مؤسسات المنظمة ومنظمات السلطة بما يضمن للمنظمة فعاليتها، وتحديد شكل النظام السياسي والدولة ومرجعيتها السياسية، وصولاً لوضع مشروع إنقاذ وطني يواكب تحديات المرحلة الانتقالية. ويعيد للمنظمة الاعتبار على أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

 

أخبار ذات صلة

Back to top button