ما الذي يقود الآخر.. السياسة تقود الاقتصاد أم العكس؟ هذا السؤال تبدو الإجابة عنه صعبة.. وخصوصًا أن (العالم) يدخل في حالة (فوضى) غير خلاقة، وتشهد الساحة الدولية تناقضات غريبة.. فمثلاً (الاتحاد الأوروبي) وأمريكا ودول غربية أخرى تفرض على (روسيا) مقاطعة اقتصادية وتجارية بسبب احتلال روسيا شبه جزيرة القرم وإلحاقها بالسيادة الروسية.. لكن حاليًا صارت (أوروبا) تحاول التقارب مع روسيا والصين واليابان لمواجهة سياسات الرئيس الأمريكي (ترامب) في حال شن (حربا تجارية عالمية).. حيث يتوجه قادة الاتحاد الأوروبي إلى بكين وطوكيو لتوطيد العلاقات، وتشكيل تحالفات من 28 بلدًا يشكلون 500 مليون نسمة في أكبر سوق واحدة في العالم للتصدي لحمائية (ترامب) وشعار (أمريكا أولا)، وخصوصًا أنه شرع في فرض رسوم جمركية على صادرات الصلب والألمنيوم.. وقريبا على السيارات الأوروبية.
في اجتماع قادة (الناتو) شن الرئيس الأمريكي ترامب حملة ناقدة للاتحاد الأوروبي؛ لأنه لا ينفق أموالاً لزيادة قدرات (الحلف الأطلسي) عسكريا، وخص بالنقد اللاذع (ألمانيا) التي قال إنها تصرف المليارات على استيراد الغاز من روسيا وبذلك تقوي الاقتصاد الروسي، لكنها لا تنفق لزيادة القدرات العسكرية لحلف الناتو معتمدين على الدعم العسكري الأمريكي للحلف.
لكن من جهة أخرى أجرى (ترامب) أمس لقاء مع الرئيس الروسي (بوتين) في قمة (هلسنكي)، والكل يترقب نتائج هذه القمة.. وهناك تكهنات بعقد صفقة أمريكية – روسية شاملة تحسم اوضاعا كثيرة في العالم، منها حسم وجود القوات الإيرانية في سوريا مقابل اعتراف (واشنطن) بضم روسيا شبه جزيرة القرم.. والأوروبيون الذين مازالوا يتمسكون بالعقوبات ضد روسيا احتجاجًا على التدخل الروسي في (أوكرانيا) واحتلال جزيرة القرم يخشون أن ينقلب (ترامب) عليهم ويعقد صفقة (سرية) مع روسيا ضد (الاتحاد الأوروبي).
لاحظوا حجم التناقضات السياسية والاقتصادية التي تهزّ العالم هذه الأيام.. لا يوجد أصدقاء دائمون، كما لا يوجد أعداء دائمون.. فالصفعات التي يوجهها (ترامب) إلى حلفاء الأمس (الاتحاد الأوروبي) تجعل من قمة (هلسنكي) أشبه بقبعة الحاوي التي لا تعرف ماذا يختبئ تحتها.. وردة أم أفعى!